الأسد الذبيح لا الجريح

TT

بالتأكيد أن الأسد ذبيح ولو كان جريحا، فقد أكل الأسد بعد أن أكلت ثيرانه الثلاثة في مقر الأمن القومي، وبعد أن تآكلت نقاطه الحدودية، وانشق ضباطه، وتشتتت ثكناته، ويأس حلفاؤه، وتراخت قبضته الفولاذية حتى أمست حريرية ناعمة تتمايل أسلاكها مع كل عاصفة للجيش الحر الذي مرغ كرامة الأسد وداس هيبته في تراب الشهباء يستعد الجيش الحر للمعركة الكبرى، ولو كان الأسد يحمل حسا منطقيا وهاجسا فطريا في حب البقاء لكان الهم الأكبر لفخامته في تحضير حقائبه والسفر إلى روسيا للاستمتاع بثروته المنهوبة مجاورا للمافيا الروسية الشهيرة التي تتقاطع في بشاعة الجرائم وروح اللصوصية مع المافيا الأسدية التي أسسها أبوه.

فهل يعقل أن الأسد ومعاونيه صم بكم عمي فهم لا يعقلون مسار الأحداث منذ اندلاع الثورة حتى اليوم وهي تسير بصورة متسارعة إلى هلاكه المحتوم؟ ربما وجدنا الإجابة في اختفاء بشار بعد (غزوة دمشق الكبرى)، عدا صورة يتيمة له وهو يستمع بشرود وبرود إلى يمين القسم لوزير دفاعه الجديد، فهذا الاختفاء لا يعني ارتباكا تسبب فيه نجاح مذهل للجيش السوري الحر في الوصول للدائرة الضيقة لأعوانه والمقربين إليه فحسب، ولكنه يشي أيضا بأن الأسد ربما تتجلجل في صدره رغبة دفينة لتسليم ساقيه للريح، لولا أن قرار الفرار لم يعد مرتهنا في يده خلافا للحالات المصرية والتونسية والليبية وحتى اليمنية.

ففي هذه الدول كان القرار، باستمرار مقاومة الثورة أو حني الرأس لعاصفتها، بيد مبارك وبن علي والقذافي وصالح، حتى ولو وجدت حاشية منتفعة بوجودهم إلا أن هذه الحاشية والدائرة اللصيقة به لا تصل في القوة حد إجبارهم على المقاومة إلى آخر رمق، أما في حالة بشار فقراره مكبل بقيود روسية وصينية وإيرانية وإسرائيلية وعراقية وطائفية وآيديولوجية وحزب الله، هذا خلاف مجموعات شرسة من الذين حوله من سدنة الحكم ورموز الطائفة يتحدون مغادرته بلسان الحال لا المقال، فهو أشبه برئيس عصابة محترف لديه طاقم مرعب في الاغتيالات وتهريب المخدرات قرر أن يترك وكر عصابته، إذ لا يمكن أن يسمح له بالهروب ومعه كنز من الأسرار، ولو سمحوا له اغتالوه وهو يهرب.

المؤكد أن (غزوة دمشق الكبرى) في مقر الأمن بنتائجها الكارثية على النظام السوري جعلت بشار كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وهذا التخبط تسبب في سقوط عدد من نقاط الحدود في يد جيش سوريا الحر، وهذا يدل دلالة صارخة على ارتخاء قبضة النظام، والأهم من هذا تمكين الجيش الحر من تهريب السلاح إلى أفراده في الداخل، وأما التحول الأخطر الذي يدل على أن النظام يتهاوى ما ورد في تقارير تسربت من داخل العاصمة السورية عن نقل بعض فرق الجيش من القرى والبلدات السورية إلى دمشق، ولعل هذا يفسر تراخي قبضة النظام في الأطراف والبلدات.

المهم في هذه المرحلة ليس تركيز البحث على حال بشار فقط، وإنما لا بد أيضا أن يشمل النقاش الحال ما بعد بشار، كما يجب التنبه إلى أن الدفع بالتحاور مع النظام في وقت تشتد قبضة الثورة واندحار النظام يعني تقديم تنازلات في التوقيت الغلط، وهذا يذكرنا بوضع البوسنيين في المراحل الأخيرة لصراعهم مع الصرب حين بدأوا يحققون انتصارات حاسمة على الأرض، حينها تدخل الغرب وعقد تسوية ساوت بين الضحية والجلاد.

[email protected]