الصراع في مصر

TT

هناك جدل دائر الآن في مصر حول «23 يوليو» 1952، وهل هي ثورة شعبية حققت أحلام وتطلعات الشعب، أم كانت انقلابا عسكريا أدى إلى كبت وإفساد وتأخر البلاد والعباد. وكعادة كل عمليات التحليل والتقييم السياسي في عالمنا العربي، فإن اتجاهات النخبة تدخل في حالة من الصراع بين الأضداد، وبين توصيف الأمور بأنها إما «أبيض» وإما «أسود»، وأن القائمين عليها إما «ملائكة» وإما «شياطين».

هذه الرؤية الحدية المتطرفة وغير العلمية هي التي أدت بالعقل العربي إلى محطة واحدة لم يراوحها قطار التفكير السياسي منذ أكثر من نصف قرن، وظل جامدا غير قادر على التحرك خطوة واحدة نحو محطة أخرى أكثر تقدما. وفي رأيي، فإن حركة الجيش في 23 يوليو 1952 بدأت بحركة ضباط ثانويين على الحكم والاحتلال البريطاني في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تلك الحركة في أيامها، بل في سنواتها الأولى، لم يكن لها مضمون اجتماعي أو برنامج سياسي حقيقي سوى ما يعرف بالأهداف الستة للحركة. ومنذ ذلك التاريخ وحتى قيام الرئيس السابق محمد حسني مبارك بتخليه عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011، فإن مصر هي جمهورية رئاسية تحكمها المؤسسة العسكرية. ولعل بيان الـ45 ثانية الذي تلاه اللواء عمر سليمان - رحمه الله - حول تخلي الرئيس عن سلطاته ونقلها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو إعادة «الأمانة» إلى أصحابها بمفهوم المؤسسة العسكرية.

بعد نتائج الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية التي حصل فيها تيار الإسلام السياسي على الأغلبية السياسية عبر الصندوق الانتخابي، بدأت ملامح «الجمهورية الثانية»، وهي جمهورية الإسلام السياسي. إذن، نحن أمام سلطة كانت تحكم منذ 60 عاما وحان وقت وصولها إلى سن التقاعد، وأمام سلطة جديدة وليدة تريد أن تبسط أفكارها وتنشئ مؤسساتها. نحن ببساطة أمام صراع نظام قديم، ونظام جديد.

الأزمة تكمن في أن القديم لم يسلم بالرحيل، والجديد يرفض قبول أي شيء له علاقة بماض عمره 60 عاما! هذا هو الصراع المحتدم بقوة الآن، وفي ظل رفض كل طرف صيغة حل وسط يؤدي إلى التعايش الإيجابي بين الطرفين، تصل الأمور في مصر إلى حد حافة الهاوية بين الجيش والإخوان.

كل طرف يتمسك بقوة بمؤسساته وأفكاره وتاريخه ورجاله ورموزه ويرى في الطرف الآخر الخطأ المطلق، والشر الكامل.

هذه المعادلة هي معادلة لا تؤدي إلا إلى طريق واحد، وهو طريق الصدام. هكذا علمنا التاريخ، لكن - للأسف - لا أحد يقرأ!