البنوك المركزية تواجه فاتورة ضخمة

TT

كانت نتيجة انهيار صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الكساد الكبير، أن وقع عبء رد الفعل بشكل كبير على بنكين مركزيين كبيرين هما الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي. ونتيجة لذلك فسوف يضطران إلى تحمل تبعات هذا التصرف.

تضخمت ميزانية هاتين المؤسستين نتيجة لضخهما النقد - مضيفين الكثير من الالتزامات الجديدة حتى أن بعض البنوك المركزية الأخرى أبدت قلقها من أن البنكين المركزيين ربما يكونان بذلك يزرعان بذور أزمة مالية جديدة. وهناك تضارب في السياسة، فاستخدام نظام نقدي دقيق في محاولة صريحة لدعم الاقتصاد العالمي كان أشبه باستخدام ساعة ذهبية لدق مسمار.

أضاف البنك المركزي الأوروبي، على وجه التحديد، أصولا إضافية خلال العام الماضي، وهو ما وسع من محفظته المالية بنحو 1.1 تريليون يورو منذ يوليو (تموز) (بإجمالي يصل إلى 3.1 تريليون يورو، أو نحو 3.8 مليار دولار)، أكثر بكثير من الاحتياطي الفيدرالي (2.8 تريليون دولار).

يرى رئيس البنك الفيدرالي السابق، ألان غرينسبان، أن مشكلات منطقة اليورو تبعث على القلق إلى حد بعيد، وقال: «لا يزال هذا القلق مستمرا»، مشيرا إلى أن البنك المركزي الأوروبي أضاف أكثر من 100 مليار دولار شهريا لـ«دفتر الأستاذ» خلال العام الماضي بعد فترة مطولة من الاستقرار.

ويشبه غرينسبان النظام المالي في منطقة اليورو بزورق يسرب المياه عبر فتحات كبيرة في قاعه (يمثل عجزا مجمعا في ميزانية منطقة اليورو). يحاول قادة أوروبا النجاة من الزورق - لكن المشكلة تزداد سوءا لأنهم لا يحاولون سد الثقوب، ويؤكد غرينسبان على أن المهمة ليست في تمويل عجز الميزانية لكن في التخلص منه - وهو ما يمثل مهمة صعبة من الناحية السياسية.

ما يقوم به البنك المركزي الأوروبي بشكل أساسي هو إقراض مصارف منطقة اليورو لتمويل حيازة السندات السيادية، والدفع بشيكات مكتوبة على البنك المركزي الأوروبي. هذا يضع اليورو في النظام ويعمل على التخفيف من الأزمة قصيرة الأمد، لكن عندما يبدأ الاقتصاد في التحسن في مرحلة ما، سيضطر البنك المركزي الأوروبي (والفيدرالي أيضا) إلى تشديد السياسة المالية سريعا، وهو قد يعني ارتفاعا حادا في معدلات الفائدة و-أو التضخم.

مقارنة بالسياسيين الضعفاء في أوروبا وأميركا، كان مصرفيو البنوك المركزية أبطالا خلال الأزمة المالية، فقد وجد بين بيرنانكي في المصرف الفيدرالي وماريو دراغي في البنك المركزي الأوروبي طرقا ابتكارية لدعم البنوك التجارية المتراجعة وتوفير السيولة للأسواق والحفاظ على انخفاض معدلات الفائدة عبر مشتريات ضخمة للغاية من الديون، العملية التي تعرف باسم «التيسير الكمي».

لكن المتشككين يؤكدون على أن البنكين المركزيين لا يمكن أن يكونا «المنقذين الوحيدين»، للدول التي ظلت حبيسة الانكماش الاقتصادي، فأدواتهم السياسية محدودة ولا يمكن أن تفرض هذا النوع من الاستثمار الذي تحتاجه للتعافي الاقتصادي.

هنا كيف يبدي بنك التسويات الدولي، التبادل الحذر عادة للبنوك المركزية، والذي قال في بيانه الشهر الماضي في تقرير سنوي صريح على غير العادة: «الحقيقة أن المصارف المركزية حصرت نفسها في حوافز مالية مطولة لأن تعامل الحكومات مع القضايا كان متأخرا. وقد حذر التقرير من «الدعم غير الفاعل للمقترضين والمصارف المتعثرة».

ونبه بنك التسويات الدولية إلى أن: «المصارف الدولية تخاطر، بأن يمنع حجم ونطاق تدابيرها غير التقليدية من قدرتها على التخلي عن الحوافز المالية في الوقت المناسب، عندما يحين الوقت لإحكام سياستها المالية، ومن ثم تعريض استقرار الأسعار للخطر. وستكون النتيجة خسارة مؤكدة لمصداقية البنك المركزي وربما حتى استقلالها».

قضية المصداقية هامة، لأن المصرف الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي كانا أكثر داعم موثوق منذ بداية الأزمة المالية العالمية في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، ونتيجة للشلل السياسي في كل من الكونغرس والحكومات الأوروبية الرائد فإن عبء الإصلاح يقع بشكل كبير على المصارف المركزية التي يقودها اقتصاديون مهنيون، وخارج السياسة، كما نأمل.

لكن حتى بيرنانكي في شهادته أمام الكونغرس الأسبوع الماضي بدا قلقا من إضافة محفظة البنك الفيدرالي بجولة أخرى من التيسير الكمي. وحذر الجمهوريون في مجلس النواب من أن «هناك قيودا على ما تستطيع السياسة المالية تحقيقها»، بحسب ما قاله النائب جيب هينسارلينغ النائب عن ولاية تكساس.

إن النظام المالي بحاجة إلى النمو، عبر إصلاحات تؤدي إلى فتح الأسواق وتشجع الاستثمارات ووظائف العمل، لا عبر نظام نقدي يقوم على المنشطات. ويحتاج أيضا إلى الحديث عن التقشف بنبرته الأخلاقية الضمنية من الندم. إننا بحاجة إلى القدرة على الاستمرار.

يحذرنا المضاربون الماليون في بعض الأحيان من أنه خلال فترة الركود في السوق «لا تحاول أن تكون بطلا». وقد تخلى رؤساء البنوك المركزية عن تلك القاعدة خلال السنوات الأربع الماضية في محاولة لإنقاذ النظام عندما فشل صناع السياسة في التحرك. لكن البطولة يمكن أن تتحول إلى مسؤولية، بحسب ما أظهرته ميزانية هذه البنوك.

* خدمة «واشنطن بوست»