ماريسا ماير.. بين الحمل ورئاسة «ياهو»

TT

كيف سيسير حمل ماريسا ماير؟ هل الرئيسة التنفيذية الجديدة لموقع «ياهو» ترى أنه ليس من السهل استغلال منصبها والحصول على إجازة وضع؟ أم أنها ستقضي بضعة أسابيع في المنزل، تعمل خلالها بين الحين والآخر كما وعدت في مقابلة، وبالتالي تزيد التحدي الذي يواجه الرئيسات التنفيذيات الحوامل للشركات المدرجة على قائمة «فورتشن 500» في المستقبل؟ ما الذي ينبغي للأم الجديدة التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات فعله؟

الحقيقة هي أنني لا أشعر بأي قلق بشأن ماير رغم أن الجميع يشعر بذلك. منذ أن عُرف خبر تولي نجمة سيليكون فالي منصب الرئيس التنفيذي لموقع «ياهو» التي تنتظر مولودها الأول في أكتوبر (تشرين الأول) وتخطط للعمل خلال فترة إجازة الوضع - انتشرت التكهنات حول نظرة الجميع لاختياراتها الجامحة، لكنني أرى أن السيدة، التي حصلت على لقب سيدة العام الذي تمنحه مجلة «غلامور»، وكانت الموظفة رقم عشرين في «غوغل»، سوف تتقاضى راتبا إجماليا قدره 59 مليون دولار نظير رئاستها لموقع «ياهو» ومتزوجة برجل أعمال ناجح وفي حال جيد أيا كان ما تختاره. لذا، أنا متأكدة من أنها ستكون على ما يرام، لكن ماذا عنا نحن وعن أولادنا؟ لن يكون هذا هو الحال بالنسبة لنا بالضرورة.

تعود أكثر من نصف مليون أم جديدة سنويا، واحدة من بين 10 سيدات عاملات، إلى مقر عملها في غضون أربعة أسابيع بعد الولادة بحسب آخر تعداد للسكان. لا يوجد الكثير من القلق بشأن ما يحدث لهن، رغم أنهن آخر من يمكن تحمل تكلفة دور رعاية أطفال لائقة والتمتع بكل الأشياء التي تسهل حياة الأمهات مثل المواعيد المرنة وإجازات الوضع مدفوعة الأجر برعاية صاحب العمل والإجازات المرضية مدفوعة الأجر.

عندما تعود تلك الأمهات إلى عملهن، الذي غالبا ما يكون قبل الموعد الذي يردنه، لا يتم النظر إلى ذلك باعتباره الخطوة التالية الكبيرة للنساء. لقد كتبت عن السيدات والعمل لسنوات، وخلال أبحاثي التي أجريتها من أجل كتابي الأخير عن السلوك غير الصديق للأسرة الذي تنتهجه بلدنا، تحدثت مع عدد كبير من السيدات اللاتي عدن إلى العمل بعد بضعة أسابيع من الوضع، بل وعادت بعضهن بعد بضعة أيام. وتروي تلك الأمهات ما يعانين من ضغوط وتوترات بسبب رعاية المولود الجديد والعمل. أكثر الأمهات غير مؤهلات للحصول على الـ12 أسبوعا مدفوعي الأجر التي ينص عليها قانون الأسرة والإجازات المرضية، أو لا يمكنهن تحمل ذلك. لذا، إذا أردن الاحتفاظ بوظائفهن، أو حتى مجرد دفع فواتيرهن، لا يكون أمام أكثرهن خيارا آخر سوى العودة إلى العمل.

وقد أظهرت الأبحاث أن العودة إلى العمل خلال ستة أسابيع من الإنجاب، يمكن أن تسبب إصابة النساء بالاكتئاب وتدهور صحتهن. ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبا على الرضاعة الطبيعية التي يحصل عليها الأطفال. ويمكن أن تعني تلك الإجازة مدفوعة الأجر للأطفال الفرق بين الحياة والموت. وفحص خبير الاقتصاد كريستوفر رام بيانات مجمعة من 16 دولة أوروبية واكتشف أن مدّ الإجازة مدفوعة الأجر إلى 10 أسابيع، الذي تم إقراره عام 1969، أدى إلى انخفاض معدل وفاة المواليد بنسبة 20 في المائة. وأوضحت بيانات من النرويج الرابط بين مدّ إجازة وضع مدفوعة الأجر وانخفاض معدل التسرب من التعليم الثانوي وزيادة معدلات الذكاء وحتى زيادة الطول. وعادة ما يتم وضع الأطفال في الولايات المتحدة في دور رعاية متواضعة وهو ما يؤدي إلى نتائج سلبية. مع ذلك، يخلو الحوار المجتمعي حول الأمومة في أميركا من هذه الأمور الواقعية السيئة، بل يركز على قصص نجاح السيدات العاملات اللاتي ينتمين إلى النخبة.

وما قصة صعود ماير إلى قمة المؤسسة سوى فصل آخر من فصول هوسنا بمعضلات الحياة العملية للأثرياء والمشاهير.

قبل شهر تقريبا من ظهور نبأ ماير، ظهرت قصة آن ماري سلاتر، التي تخلت عن وظيفة أحلامها كمديرة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية تحت إدارة أوباما، من أجل العودة إلى عملها كأستاذة في جامعة برينستون، تظهر كثيرا على شاشة التلفاز وتدلي بما يتراوح بين 40 و50 خطابا خلال العام، وتكتب مقالات بشكل دوري. من المفترض أن يمثل هذا دلالة على أن المرأة لا تستطيع الحصول على كل شيء. لا يعني هذا أن نموذج المرأة الخارقة ليس مهما، فمن الواضح أن لدى بقيتنا الكثير لتعلمه من السيدات الناجحات اللاتي مثلت قصص نجاحهن الخطوط الدرامية الأساسية للحركة النسوية. من اللافت للانتباه أن ماير هي أول امرأة حامل تشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة مدرجة على قائمة «فورتشن 500» في التاريخ. رغم أنها تبدو متحفظة تجاه الحركة النسوية، من الواضح أن تعيينها سوف يمهد الطريق لسيدات أخريات، مثلما مهدت أخريات ناضلن من أجل المساواة قبلها الطريق لها. مع ذلك، لا تُعنى هذه القصص، رغم كونها مقنعة، بما إذا كانت الأخريات قادرات على الحصول على كل شيء أم لا. من دون أشكال الدعم الهيكلي، مثل الإجازات مدفوعة الأجر وتوفر رعاية لائقة للطفل، لا نستطيع أن نقوم بذلك. بدلا من التطلع إلى النجوم، ربما تتوقع منا أن نتحدث عن حقيقة أن الولايات المتحدة واحدة من ثلاث دول، والدولة المتقدمة الوحيدة، التي لا تضمن أي إجازات وضع مدفوعة الأجر، أو أنه لم تكن هناك أي محاولات سياسية جادة منذ سنوات من أجل تحسين رعاية الطفل الأميركي وجعلها في متناول اليد. مع ذلك وحتى خلال العام الذي يشهد إجراء انتخابات، هناك سكوت مطبق من الحزبين عن هذه القضايا. ويتم غض الطرف عن مثل هذه الأمور السياسية. وحتى في ظل المقارنات الأخيرة بين الأمهات الفرنسيات والأميركيات، غابت نقاشات طرحت في كتب لإليزابيث بادينتر وباميلا دراكرمان، وإحالات إلى القوانين التي تشكل تجارب كل منا على نحو غريب. كيف يمكنك الحديث عن سبب استرخاء الأمهات الفرنسيات عن نظيراتهن الأميركيات من دون الإشارة إلى ما تقدمه فرنسا للأمهات الجدد من إجازة تتراوح بين 16 إلى 26 أسبوعا مدفوعة الأجر بشكل كامل بحسب عدد الأطفال، و296 أسبوعا إضافية من الإجازات من دون راتب تتيح الاحتفاظ بالوظيفة.

ولدى الفرنسيين حكومة توفر نظاما مدعما لرعاية الطفل على مستوى عال إلى الحد الذي يجعل 99 في المائة من الأطفال بين 3 و4 و5 سنوات يشتركون فيه. بطبيعة الحال، نحن أكثر قلقا وتوترا.

أدرك أن التفكير في مسؤولين تنفيذيين يرتدون من تصميم «أوسكار دي لا رينتا» ويتقاضون رواتب تدير الرأس، أكثر مرحا من التشريعات القديمة المملة. وسأعترف بأن رؤية سيدة حامل على رأس المؤسسة أذهلتني، وتثير حماستي، لكن لنكن واقعيين، فمشكلات ماريسا ماير هي المشكلات التي نتمنى أن نحظى بها. وإذا كنا نود الحصول على كل شيء، فينبغي أن نركز على مشكلاتنا نحن.

* خدمة «نيويورك تايمز»