حكايتي مع الملكة (3) بداية الرحيل

TT

اليوم هو 20/1/1913؛ أي بعد مرور 45 يوما على اكتشاف الرأس الجميل للملكة نفرتيتي، أشهر ملكات الأرض، أما عن الحدث الخطير الذي سيحدد مصير رأس الملكة في ذلك اليوم فهو وصول الدكتور جوستاف لوفيفر، مفتش عام الآثار المصرية، إلى محطة المنيا مقبلا بالقطار من القاهرة؛ والغرض من الزيارة هو إجراء عملية القسمة للآثار التي كشفت عنها البعثة الألمانية خلال هذا الموسم وفق ما كان ينص عليه قانون الآثار في ذلك الوقت، الذي كان يتيح للبعثة الأجنبية التي تنقب عن الآثار في مصر اقتسام ما تجده من آثار مع المتحف المصري؛ بشرط أن لا تكون هذه الآثار تمثل مجموعة كاملة متصلة، كأن تكون محتويات مقبرة سليمة لم تمس من قبل مثلما هو الحال مع آثار مقبرة الملكة حتب حرس، ومقبرة الملك توت عنخ آمون. وفي هذه الحالة تبقى الآثار كلها في مصر ويتم تعويض البعثة المكتشفة بآثار أخرى من المتحف المصري.

نعود إلى لوفيفر.. فبمجرد توقف القطار صعد إليه مساعد لودفيج بورخارد للترحيب بمقدم المفتش العام ومساعدته في إنزال حقائبه من القطار. لحظات وينفض زحام المحطة المكتظ بالمسافرين والمودعين والحمالين وغيرهم، ويدور حديث قصير بين لوفيفر ومساعد بورخارد عن رحلة القطار وإرهاق السفر، والسؤال عن أعمال البعثة وموسم الحفائر، وبالطبع لم يذكر المساعد كلمة واحدة عن نفرتيتي، بل إنه لم يظهر أي حماسة في حديثه، بما يوحي وبشكل مخادع أن البعثة الألمانية حظيت بموسم حفائر عادي، دون وجود اكتشافات كبيرة مؤثرة.. وكان ذلك هو بداية خطة التضليل التي رسمها بورخارد للاستيلاء على الرأس البديع للملكة.

وصل لوفيفر أخيرا إلى موقع حفائر البعثة الألمانية بتل العمارنة، وبعد فترة راحة قصيرة بدأ العمل الرسمي بتقديم قائمة رسمية بالقطع الأثرية المكتشفة خلال الموسم، وسجلت نفرتيتي في هذه القائمة تحت بند تمثال من الجص؛ دون أي إشارة إلى صاحبته أو إلى كونه من الحجر الجيري الملون - رائع الجمال - أو أي شيء من هذا القبيل.. وكان بورخارد واثقا أن المفتش العام لن يختار تمثالا مصنوعا من الجص الهش!

في هذه الأثناء كان جميع الحضور في الخيمة التي بها الآثار المكتشفة؛ وقد عمد بورخارد إلى جعلها مكتظة ومن دون مقاعد حتى لا تشجع على المكوث بها طويلا.. وهنا تختلف الروايات حول وضع رأس الملكة نفرتيتي! رواية تقول إن رأس نفرتيتي لم يكن من ضمن الآثار المعروضة على لوفيفر؛ وإنما ظلت في الصندوق الخشبي الموجود داخل الخيمة؛ والبعض يؤكد أن الرأس تمت تغطية معالمه الجميلة بالطمي ووضعت خلف الآثار المعروضة بطريقة يستحيل معها أن تراها العين البشرية وأن تدرك جمالها وروعتها!! جرت عملية التقسيم وعمل محاضر القسمة وتوقيعها بين المفتش العام ولودفيج بورخارد الذي كان في أسعد حالاته، فلقد أصبحت الرأس الفريد من نصيبه، وبدأت رحلة رحيل الملكة الجميلة عن مصر بعد أن ظلت بها إلى جوار زوجها وبناتها 3265 سنة.. وتستمر الحكاية.