هل نعلم ماذا يجري في سوريا؟

TT

ثمة إشارات واضحة دالة على تداعي أركان نظام الأسد والحلقة المقربة منه وقرب اندحاره. كان ذلك على مدار الـ16 شهرا الماضية، لكنه أثبت أنه ما زال يتمتع بقدرة تحمل تفوق ما توقعه كثيرون. تشير التكهنات الآن إلى أنه سيترك السلطة في نهاية شهر رمضان. يبقى هذا الاحتمال غير مؤكد، غير أن ثمة أمرا واحدا يقينيا.

عندما يترك السلطة، وربما لا يكون هذا أمرا وشيك الحدوث، سوف يدمر الدولة معه. لقد أريق كم هائل من الدماء من أجل عملية انتقالية سلمية بعد رحيله. وقد فتحت مجموعة من الحسابات التي ستتطلب تسوية، على الأرجح بوسائل دموية، بمجرد تعمق فجوة السلطة.

في الوقت نفسه، في حالة التدخل العسكري من قبل إسرائيل في سوريا، سوف يرقى مثل هذا الفعل إلى مرتبة إلقاء البنزين على النار بصورة تجعل الأمور أكثر تعقيدا على نحو يتعذر معه حلها. إن مثل هذا التدخل لن يضع المعارضة السورية في موقف محرج فحسب، بل قد يساعد النظام الحالي أيضا في استعادة جانب من النفوذ الذي فقده.

إذا ما قيمنا الوضع الحالي بناء على التقارير الواردة في الصحافة الأميركية والتركية، بما فيها هذا المقال، يتبين لنا أن واشنطن وأنقرة قد فقدتا الأمل في قيام حكومة مؤقتة في دمشق تعمل من أجل قيام سوريا جديدة بشكل سلمي. كانت تلك هي الصيغة التي اتفق عليها في مؤتمر جنيف، الذي عقد في نهاية يونيو (حزيران) وحضرته كل من روسيا والصين، إضافة إلى أعضاء مجموعة «أصدقاء الشعب السوري».

غير أن تركيا والولايات المتحدة يبدو أنهما قد فقدتا الثقة في هذا المسار عقب استخدام روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن الأسبوع الماضي. تشير التقارير الصحافية إلى أن كلتا الدولتين ستزيد الآن من حجم المساعدات العسكرية التي تقدمها للثوار السوريين، في محاولة أخيرة للإطاحة بالأسد. لكن ليس من الواضح مدى حكمة هذا الإجراء.

إن الموقف في سوريا ليس بلعبة هينة مع الأسد وحزب البعث الذي ينتمي إليه من جانب، والشعب السوري من جانب آخر. ومع كل فظائع الأسد، ما زالت هناك قطاعات ضخمة من المجتمع السوري تتوق بشدة للاستقرار الذي تمتعت به تحت حكمه. في الوقت نفسه، من المؤكد أن الدعم المتزايد للمعارضة السورية سيعقبه دعم متزايد من قبل روسيا وإيران للنظام السوري، إن لم يكن لأسرة الأسد على وجه الخصوص. وليس من الواضح أيضا كيف تألف «الجيش السوري الحر». ثمة دلالات على أن هناك مشاركة كبيرة من جانب الإسلاميين المتشددين المعادين للغرب بشكل محموم ممن سيتوقون بشكل واضح لرؤية جمهورية إسلامية تبزغ في سوريا.

كذلك، لم تسر الأمور على النحو الذي كانت تتمناه أنقرة، فلدينا الآن أكراد سوريون ينظمون صفوفهم لاستغلال الفائدة التي تأتي بها الفوضى في الدولة، بهدف إعلان منطقة خاصة بهم تتمتع بالحكم الذاتي.

بيد أن الأكراد على درجة أفضل من التنظيم والتركيز من الجماعات التي تبادر بتشكيل المعارضة السورية. وفي ظل المساعدات السياسية، وبلا شك العسكرية، من جانب الإدارة الكردية في شمال العراق، يبدو الأكراد السوريون مستعدين للتقدم بشكل جاد، فيما يتعلق بأهدافهم، مع تضييق الدولة الخناق حولهم.

بعبارة أخرى، فإنه حتى النظرة الخاطفة تدلنا على أنه ليس لدينا فقط خط صدع بين السنة والعلويين في سوريا، وإنما أيضا خطوط صدع بين كل من العرب والأكراد من جهة والمسلمين والمسيحيين من جهة أخرى. ولهذا، فإنه من السذاجة افتراض أن جميع الأطراف ستكون في حال أفضل نوعا ما بعد رحيل الأسد.

ففي المقام الأول، قد تكون نهاية نظام الأسد بداية لفوضى شاملة في البلاد.

يتعين على الأسد الرحيل بالطبع، ولكن لا ينتهي الأمر عند هذا الحد. فإذا ظل على قيد الحياة، يجب أن يخضع لمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. هذا أمر مؤكد لا مجال للشك فيه.

ومع ذلك، يبدو من الواضح أنه كان يجب أن يتعاون المجتمع الدولي بشكل أفضل بكثير ليأتي بخيارات أكثر حصافة لحل الأزمة في سوريا، بدلا من ترك الأمور تتدهور بهذه الصورة التي آلت إليها. إلا أن الدول الفردية، بما فيها تركيا، انتهجت سياسات تهدف لخدمة مصالحها الخاصة، بحيث جعلت الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، بدلا من محاولة فهم الحال الذي آلت إليه سوريا.

لقد تركنا هذا في حالة من التساؤل عما إذا كنا نعلم بحق ماذا يجري في سوريا. الأدلة تشير إلى أننا لا نعلم بحق.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية