مخاوف «مناف»

TT

الانطباع الذي يخرج به المرء من كلام العميد السوري المنشق، مناف طلاس، هو أن سقوط بشار الأسد يجب أن يكون محصورا به، وبزمرته التي تلوثت يدها بدماء السوريين، وحتى بجزء معين من الجيش والقوات الأمنية.

في بيانه المقتضب على شاشة «العربية»، أو في حواره الموسع أمس مع الزميل طارق الحميد، رئيس التحرير، هنا، كان الجنرال السوري السني محددا، واضحا، في الحرص على «تماسك» الدولة السورية، ونسيج المجتمع، وحصر الأضرار في أضيق نطاق. الجنرال يستند إلى عدة مزايا، منها أنه كان من «نخاع» البيت الأسدي، وورث من والده العماد مصطفى طلاس، صداقة بيت الأسد، حيث كان الابن مناف صديقا لباسل، ولي العهد الذي مات فجأة، ثم ولي العهد الثاني بشار، كما كان الوالد صديقا حميما مخلصا لأبعد قطرة دم، للوالد حافظ الأسد، إضافة إلى كونه – ما دام الحديث الطائفي طاغيا الآن - من أهل السنة، بل من مدينة الرستن التي تعرضت لأبشع صور القتل وإجرام قوات الأسد. فهو من جهة مطمئن للطبقة الاجتماعية - وهي ليست قليلة - التي استفادت من حقبة الأسد، إضافة للطائفة العلوية وبقية الطوائف، على اعتبار أن مناف كان «تقريبا» ابنا لحافظ الأسد، فهو ليس غريبا ولا طارئا على هذا المناخ، ومن طرف آخر هو ينتمي إلى المكون السني التقليدي. فضلا عن كونه ابنا للجيش والمدرسة العسكرية.

جنرال سني «مودرن» مقرب من بيت الأسد، وأخيرا منشق عن النظام، ولكنه يؤكد كل مرة، كما حديثه مع «الشرق الأوسط»، قضية تماسك الجيش السوري، وأن «الجيش الحر» هو امتداد للجيش السوري «غير الملوث»، إضافة لتكراره الحرص على تماسك «النسيج السوري». هذه هي المواصفات المطلوبة دوليا للخروج من الأزمة، بل وتقطع الطريق على «الرطانة» الروسية حول الخوف على الأقليات.

من أهم ما طرحه العميد مناف طلاس، هو التحذير من فكرة «الاجتثاث»، وهي بالفعل فكرة خطيرة، ذاق العراق - وما زال - منها الويل والثبور، وهي فكرة انتقامية غرائزية، إضافة لكونها غير عملية. المطلوب هو حصر الضرر في أضيق نطاق، هذا هو الوضع المثالي، وقد كان مناف أيضا حريصا على تبيين أنه ليس طالبا لسلطة، بل تهمه فكرة تماسك الوطن السوري ونسيجه الاجتماعي، وهو قال صراحة إنه لا يرى مستقبلا لسوريا مع بشار الأسد.

كل هذه أفكار جميلة لو تحققت، وأتمنى تحققها، بمناف أو بغيره، وتقليص آلام المرحلة الانتقالية، ولكن الواقع يقول إن هذا الأمر قد يكون صعبا على الأرض، هناك جردة حساب معقدة من الدماء والمجازر، نتوقع - ولا نتمنى - أنها لن تزول بسهولة. فنظام الأسد جرف البلد واستثار كمية مهولة من أحقاد التاريخ، صبغها بالدم والأشلاء، هو الذي جلب الوحش الطائفي الكامن في الأعماق، وليس غيره.

الرهان هو على تاريخ مشرق من التناغم الاجتماعي السوري منذ الاستقلال السوري.

بكل حال، النظام السوري زرع الريح فحصد العاصفة، ونتمنى أن يسلم الوطن السوري.

[email protected]