لمجابهة قوات القمع في بلاد الشام

TT

أظهرت معارك دمشق وحلب أن النظام مصمم على المضي في الحل الأمني، مما يتطلب أقصى درجات التحسب من قبل الثوار، لأجل تقليل حجم التضحيات وتقريب يوم الحسم. ومع أن المعارك الأخيرة أظهرت تقدما نسبيا في تسليح الجيش الحر، وتطور حالة التنسيق الميداني بين الألوية والكتائب الثورية، فإن الأيام المقبلة مرشحة للمزيد من التصعيد القتالي، وستحاول قوات القمع استعادة مناطق محررة، من خلال استخدام ثقل ناري كبير. مما يجعل تغيير أساليب القتال ضروريا، لتفويت الفرصة عليها في تحقيق مواقف مثيرة لمصلحتها. كما أنه من الضروري العمل على عرقلة مناورة قوات القمع بين مناطق العمليات، وجعل تنقلاتها على المحاور الرئيسية مكلفة للغاية ومعقدة. واستثمار سحب قوات السلطة من المناطق البعيدة، لتكوين قواعد انطلاق راسخة لحماية المدنيين.

ويستنتج مما يظهر على شاشات التلفزيون ما يشير إلى حصول الجيش الحر على عدد من أسلحة مقاومة الدبابات، إلا أن الزيادة المرصودة لا تزال قليلة للغاية، مقابل زج النظام بآلاف المدرعات لمحاولة سحق الإرادة الشعبية. والتهديد الرئيسي يأتي من المدرعات أكثر من أي شيء آخر. ومن دونها لا يستطيع خريجو السجون من مرتزقة الشبيحة مجابهة الثوار. فالمرتزقة على الدوام يعملون في ظروف انتهازية وظلامية. وعلى المجتمع الدولي عدم التخوف من حصول الثوار على صواريخ متطورة لمقاومة الدبابات، لأنها لم تعد عنصرا مهما في حسابات صراع استراتيجي لقوى كبرى. وهذه وصفة لا تتعارض كثيرا مع هواجس الأمن التركي.

وليس معقولا أن يدمر بلد ويذبح شعب بهذه الطريقة السافرة، ولا تتاح للثوار صواريخ لمجابهة الهليكوبترات الهجومية. وإذا كان الاستخفاف بعقول الناس ممكنا، عندما تعتبر القدرة المزعومة للدفاع الجوي لجيش السلطة سببا في عدم فرض منطقة حظر طيران، فإن عدم تزويد الثوار بصواريخ كتف مضادة للطائرات يطرح علامات استفهام كبيرة، حيث جرى إعطاء أفضل أنواع الصواريخ للمقاتلين القبليين والمتطوعين العرب في حرب طرد الجيش الأحمر من أفغانستان. ويفترض إعطاء الثوار من الصواريخ التي استخدمت قبل ثلاثين عاما، ليدافعوا بها عن الأطفال، بدل إشغال العالم بالحديث عن أسلحة كيماوية، لن يجرؤ النظام على استخدامها.

وحتى إذا ثبت ما يقال عن وجود عشرات أو مئات المتطوعين من دول عربية يقاتلون إلى جانب الجيش الحر، فلا ينبغي تضخيم الأمر والتوقف عنده كثيرا، أو إخافة جهات معينة منه. فالثورة الشعبية عارمة، والمدد العربي بدأ يأخذ طريقه إلى الشعب السوري، داخل سوريا وخارجها، للسياسيين وللثوار واللاجئين، مما يعطي الشباب حصانة كبيرة. ولنأخذ نتائج الانتخابات الليبية قياسا ممكن التطبيق على الوضع السوري، الذي بقي لفترة طويلة قاعدة انطلاق للفكر القومي. وهو ما يسوق إلى تجاهل عبارات القلق على مستقبل سوريا، ومن سيحكمها بعد النظام الحالي، فالشعب السوري قادر بثقافته وعراقته على إعادة وحدة بلاده وبناء نظام متحضر. أما التحذير الروسي من أن بديل الأسد قد يكون أكثر عنفا وتشددا، فلا يستحق إلا السخرية.

ومع أن الحسم يتحقق دائما في الميدان، فإن النجاح الميداني له شروطه. ومع أن شباب الجيش الحر وغيرهم قدموا أرفع أمثلة للتضحية، فإن الشخصيات العسكرية والسياسية والأمنية التي عملت في مؤسسات الدولة يمكن أن تقدم دعما مضافا للثورة. وهو ما يؤيده تزايد الانشقاقات بعد التحاق السفير نواف الفارس بالثورة، وما أحدث من صدمة للنظام بحكم مواقعه المعروفة. ثم تلاه العميد مناف طلاس الذي وجه صفعة ستترك أثرا على النظام، «إذا» ما استخدم خزينة من المعلومات. ويفترض إبراز دورهما في الجوانب الميدانية والسياسية والإعلامية، لتسريع وتيرة النشاطات الإيجابية، من دون إخلال بحق فرسان الثورة وسياسييها. ومن الضروري جدا تشجيع انسلاخ جنود المناطق الثائرة عن تشكيلات القمع وتركها هياكل جامدة.

ولا يزال الموقف العربي - عدا الخليجي والأردني - دون مستوى المشاركة الإنسانية. وحسنا فعل العراق عندما قرر - ولو متأخرا - فتح حدوده أمام اللاجئين السوريين. ولمجابهة قوات القمع، فإن الدول العربية مدعوة إلى مساندة الشعب السوري «بكل الوسائل»، وأولاها دعم الثوار وتعزيز قدراتهم الدفاعية، لتعزيز حماية المدنيين، فحق الشعوب في حريتها فوق كل شيء. وبما أن الأغلبية الساحقة تريد التغيير واختارت طريق الثورة فإن الحق معها، بعيدا عن التوصيفات والمصالح الحزبية والسلطوية والعرقية والطائفية.