المريض والطبيب.. فوائد شراكة اتخاذ القرار

TT

تتبنى اليوم الأوساط الطبية المعنية بتقديم خدمات رعاية صحية ذات معايير عالية في جودة الأداء وسلامة المرضى، فكرة أن المريض شريك أساسي في اتخاذ القرارات الطبية المتعلقة بكيفية معالجة حالته الصحية. وتؤكد النشرات العلمية لها أن شراكة المريض هي سبيل تحقيق رعاية صحية آمنة، وأن هناك أشياء كثيرة تقوم بها أوساط تقديم الرعاية الصحية للمحافظة على سلامة المرضى ومنع وقوع الأخطاء أثناء تلقيهم للرعاية الصحية، وهي ما تتطلب من المرضى وأسرهم أن يكونوا شركاء في تحقيق هذه الأهداف. وتستطرد بالقول توضيحا بأن على المريض أن يشارك في جميع القرارات الطبية لمعالجته وأن يتأكد من فهمه وتقبله لما يقدم له من رعاية صحية. كما أن على المريض أن يسأل ويعبر عن مخاوفه لطبيبه حول حالته الصحية وكيفية معالجتها. ولو واجه صعوبات في الفهم لما يقال له من طبيبه أو طاقم التمريض فعليه أن يعبر عن ذلك ويطلب توضيحها بلغة يفهمها. وإن كانت حالته الصحية تعيقه عن هذا، فعليه الاستعانة بأحد أفراد أسرته كي يساعده ويساعد الأطباء في التواصل لهذه الغايات.

وحينما تتبنى الأوساط الطبية هذا النهج في التعامل مع المرضى، فإنها تهدف إلى تحقيق جودة في خدمتها الصحية وتضمن أمان وسلامة المريض. ولذا فإنه شأن حيوي ومهم في جهود الأطباء وطاقم التمريض لأداء واجباتهم الطبية وإنجاز مهامهم العلاجية، وليس ترفا لرفع مستوى نوعية الخدمة أو لطفا وذوقا في طريقة التعامل المهذب.

وفي عدد 9 يوليو (تموز) من مجلة أرشيفات الطب الباطني Archives of Internal Medicine، الصادرة عن الجمعية الطبية الأميركية، نشر الباحثون من جامعة كاليفورنيا نتائج دراستهم الإحصائية حول مواقف المرضى حيال كيفية المشاركة في اتخاذ القرارات الطبية مع أطبائهم، وخاصة في حالات عدم التوافق بينهم.

ولاحظ الباحثون أنه على الرغم من أن غالبية المشاركين في شريحة الدراسة أكدوا أنهم يفضلون اتخاذ القرارات العلاجية بالمشاركة مع أطبائهم، إلا أن غالبيتهم أكدوا أيضا أنهم لا يفضلون التعبير عن رغباتهم في حالات عدم تقبلهم أو اعتراضهم على نصائح وإرشادات أطبائهم في كيفية معالجة الحالات الصحية لمرضاهم. وشملت شريحة الدراسة نحو 1350 من الأشخاص الذين طُلب منهم تخيل أن لديهم مرضا في القلب وسؤالهم بالتالي كيف يريدون أن يشاركوا أطبائهم في اتخاذ قرارات كيفية معالجتهم.

وحول الموضوع الحساس للدراسة علق الدكتور مايكل باري، رئيس «مؤسسة القرارات الطبية المشفوعة بالعلم» Informed Medical Decisions Foundation والطبيب في مستشفى ماساشوستس العام ببوسطن، بالقول: «نعلم أن المرضى إذا ما سئلوا مباشرة عن المشاركة في اتخاذ القرارات الطبية المتعلقة بحالتهم الصحية فإنهم يفضلون ذلك، ولكنهم أيضا يغدون عصبيين جدا من فكرة رفض إرشادات ونصائح الطبيب خوفا من أن لا يُوصموا بأنهم (مرضى سيئون)». وأضاف: «من المهم للأطباء إدراك ضرورة دعوة كل مريض للمشاركة في اتخاذ قرارات المعالجة، وأن من الضلال اعتقاد الأطباء أن ما هو أمام المرض هو طريق يضعه لهم الأطباء».

والواقع أن خلاصة ما توصلت إليه البحوث والدراسات هي ما تقدم في بداية المقال حول ضرورة إشراك المريض كي تنجح معالجته وتكون آمنة له، ولكن تطبيق هذه النتيجة يتطلب تغيرا في ثقافة الأطباء وثقافة المرضى في دور كل منهما في اتخاذ قرارات المعالجة الطبية، وصولا إلى مرحلة الشراكة. وهو ما عقّب عليه الدكتور باري بالقول: «نحن نواجه ثقافة أن الجواب الصحيح لطلبات المريض تكون بانتقاء طبيب يعرف ما يُفضله المريض، وأن الأطباء هم خبراء في الخيارات العلاجية ونتائج تطبيقها، والمرضى هم الخبراء فيما هو الأفضل لهم». والحقيقة أن الوصول إلى مرحلة الشراكة في اتخاذ قرارات المعالجة الطبية تفرض على المريض وعلى الطبيب تحمل مسؤولياتهم في نتائج تطبيق طرق المعالجة الطبية، أي إن الشراكة هي الوسيلة المثلى لحماية المريض وحماية الطبيب أيضا.

الدكتور دومنيك فروش، الباحث الرئيس بالدراسة من جامعة كاليفورنيا، وضح هذه النقطة بقول ما ملخصه: «المصابون بأمراض شرايين القلب هم بين المعالجة بالأدوية فقط، أو بالعلاج التدخلي من خلال عملية القسطرة، أو بالعلاج الجراحي للقلب المفتوح. ولكل من هذه الخيارات العلاجية فوائدها ومخاطرها على المدى القريب والبعيد. و90 في المائة من المشاركين بالدراسة أكدوا أنهم سيتناقشون مع أطبائهم للوصول إلى اتخاذ قرار الموافقة على كيفية معالجتهم. ولكن فقط نحو 20 في المائة منهم أكدوا أنهم أيضا سيعربون بصراحة عن آرائهم إذا ما كانوا غير مقتنعين أو غير مُفضلين لما يطرحه الأطباء عليهم من خيارات علاجية، أي إن البقية، 80 في المائة، يعتبرون أن إبداء معارضة للطبيب في المناقشة يجعل منهم أشخاصا لا يحبهم الأطباء وهو ما يؤثر سلبا على علاقتهم بأطبائهم. والمشكلة ليست هنا فقط، بل في أن عدم التوافق من البداية على كيفية المعالجة ومتطلباتها سيجعل المريض يهمل في تناول أدوية معالجة ارتفاع ضغط الدم أو تكرار إجراء قياسه للتأكد من انضباطه. ولذا من المهم والمفيد للمرضى إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم خلال مناقشتهم للطبيب وعدم شعورهم بأن ذلك تصرف سلبي من قبلهم مع طبيبهم».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]