أسئلة عمر سليمان

TT

تدور إشاعات كثيرة حول الأسباب الحقيقية لوفاة اللواء عمر سليمان. فالناس لا يصدقون عادة أن الرجال مثله معرضون للمرض أو للوفاة الطبيعية، ولا بد أن يكون خلف الوفاة مؤامرة ومتآمرون. لكن المشكلة مختلفة في وفاة رجل مخابرات مصر، لأنه مات في واحد من أهم المستشفيات في العالم. فهل يمكن لدار طبية في هذا المستوى أن تعرض سمعتها، لقاء أي ثمن أو تحت أي ضغط؟

أصبح الطب اليوم قادرا على القول كيف مات توت عنخ آمون، فهل يصعب عليه تشخيص أسباب إصابة عمر سليمان بهبوط المناعة إلى حد الموت؟ لكن الناس لا يصدقون شيئا عندما يكون الأمر متعلقا بشخصية مهمة. لم يصدق أحد، ولن يصدق أحد أن لي هارفي أوزوالد هو الذي قتل جون كيندي. ولم يصدق أحد أطباء جمال عبد الناصر وأخلصهم إليه، عندما قالوا إن المرض الطويل هو الذي أماته. ومع أن الأستاذ محمد حسنين هيكل تبنى طويلا كلام الطبيبين، وكذلك زوجة عبد الناصر، فإن هيكل عاد قبل فترة فتبنى إشاعة تقول إن أنور السادات هو الذي دس حبة السم في قهوة رئيسه. وبدت النظرية نوعا ما، مثل أن الصرب قاموا بهجوم 11 سبتمبر (أيلول)، أو أن الإمام البدر شاهد شجرة قات في القاهرة فترك مرافقيه الرسميين وقفز عليها، غصنا غصنا. وخزنا خزنا.

يقول المشككون الآن إن عمر سليمان هو «الرجل الذي عرف أكثر مما ينبغي». ولكن معرفة الرجل مسجلة في الدولة وليس فقط في ذاكرته. وعلاقاته ومحادثاته مع أجهزة المخابرات الأخرى مسجلة عندها أيضا. وسليمان كان رجل مخابرات محترفا يعمل في مصر، ولم يكن رجل نسف وقتل ودهاليز. لم يكن صلاح نصر ولا رجل فضائح، بل كان أقرب إلى المخابرات السياسية والمعلومات.

كان - إذا صح القول - رجلا دبلوماسيا في أعلى منصب أمين في مصر. وقد حافظ على مستواه المهني حيال سياسيي مصر وحيال رفاقه العسكريين. فلم ينكل بهؤلاء كما فعل أسلافه في مصر وزملاؤه في العالم العربي، ولا مارس التعالي على العسكريين الذين هم أعلى رتبة منه. وعندما قضت اللجنة القضائية بعدم أهليته للترشح للرئاسة، صمت ومشى، ولم يحاول أن يقلب مصر كما فعل غيره، ولا لوح بالملفات، التي لا شك أنه يملك منها الكثير.

إلا إذا ثبت العكس، فإن عمر سليمان كان من طبقة أخرى من رجال المخابرات العرب. قبل سنوات نشرت «الفيغارو» الفرنسية صفحة كاملة عن صفات «الجنتلمان» الجالس في مقعد لا يقر بأسلوب اللياقات والتهذيب. ولا شك أن وفاته لم تكن متوقعة بعد أسابيع على خوضه معركة الرئاسة. لكن طرح التساؤلات خارج إطار السلوى الصحافية والسياسية، لا يبدو مناسبا في حالة عمر سليمان. صحيح أنه الرجل الذي عرف كثيرا ولكن ضمن موقعه ومهنته. لم يكن انتقاميا ولا استبداديا ولا ابتزازيا. قدره مثل قدر سواه.