«بيلاري»

TT

بعد بيل كلينتون عرفت أميركا أسوأ رئيس (ربما) في تاريخها، وأول رئيس أسمر، وجاءت هيلاري كلينتون بعد أول وزيرتي خارجية في تاريخ واشنطن، المهاجرة التشيكية مادلين أولبرايت، والمهاجرة السمراء من قاع الفقر، كوندوليزا رايس. نتذكر الأيام التي كان فيها بيل كلينتون يحاكم بتهمة العلاقة مع «متدربة» في البيت الأبيض، تبين أنها كانت شديدة الاحتراف، ونذكر الحملات على جشع هيلاري وقوة شخصيتها، ولكن الآن، في الداخل الأميركي، ليس من عائلة سياسية أكثر أهمية أو شعبية، على نحو ما يبدو الرئيس الأسبق ووزيرة الخارجية الحالية، مثل جون وجاكلين كيندي. الأناقة والحسن والثقافة والقرب من قلوب الناس. وقد أنست ابتسامة بيل الجاهزة والعفوية ابتسامة جون (جاك). ولم ينس الأميركيون نساء جاك: مارلين مونرو، مارلين ديتريش، وسائر المارلينات، بينما نسوا على الأرجح دميمات بيل وذوقه الجمالي المعيب.

ما الذي يجعل بيل وهيلاري أو «بيلاري» الأكثر شعبية؟ عوامل عدة، لكن يساعد في ذلك كثيرا خلود باراك أوباما إلى النوم والسكون عشية انتخابات الرئاسة، ووجود مرشح جمهوري منافس ولد باهتا وخاليا من أي جاذبية شعبية، وفيما خبأ أوباما زوجته ميشيل وابتسامتها قسرا (العقاب بعد الانتخابات) فإن زوجة ميت رومني لا نعرف إن كانت مختبئة قسرا أو بالولادة.

هكذا تتمشى المسز كلينتون في طول البلاد وفي عرضها، ويوزع الرجل، الذي لم تطلقه، ابتسامته الثعالبية ويحصد الأموال من المحاضرات وريع المؤلفات، وقد غير واقع البؤس في حي هارلم عندما نقل مكتبه إلى هناك، وانتقل خلفه البيض، كما عاد إلى الحي السود الأثرياء بعدما هجروا موطن البدايات والذكريات الحزينة.

ولم تعد زمر الصبية السود تقطع الطريق على سيارات البيض الفارهة، كما أوصاهم مالكولم إيكس، من أجل تمويل معركة الحرية. فهم الآن يعملون ويدرسون ويفلحون ويغبطهم بيض كثيرون. ولم يعد الدور الوحيد في الأفلام الأميركية للرجل الأسود هو دور سائس الخيل وحارث الحديقة، بل صار مورغان فريمان النجم الأول، الأغلى أجرا والأكثر شعبية. وطبعا صار باركل في البيت الأبيض، فيما نقل كلينتون المكتب البيضاوي إلى هارلم، الاسم الذي كان مخيفا ذات سنين، والحارة التي خرج منها، هربا من فقرها المريع، أشهر الأدباء السود، ومنهم جيمس بالدوين.

ورغم أن جون كيندي كان أكثر الرؤساء عملا للحريات المدنية بعد لنكولن، فقد كان يكره مارتن لوثر كينغ وجيمس بالدوين، ويسمي الأخير، ساخرا، «جيمس بالدوين كوين».

ولا يمكن أن نتخيل الحياة في هارلم من دون أن نقرأ بالدوين، الذي لم يهجر فقط من هناك بل من أميركا كلها، وعندما وصل إلى إحدى قرى سويسرا اكتشف أن لا أحد من سكانها الـ(800) قد رأى أفريقيا من قبل.