مَن لجياع الصومال واليمن؟ مَن لمنكوبي سوريا وبورما؟

TT

منذ ذلك اليوم (النكد) 11/9/2001، أخذت ينابيع الخير تجف في العالم الإسلامي. فما وقع في ذلك اليوم كان شنيعا جدا. ولم يكد الحدث يقع حتى سارعت جهات ودوائر معروفة إلى إلصاق تهمة ما وقع بالإسلام كله (بوجه عام) وبالعمل الخيري الإسلامي (بوجه خاص).. ولقد بلغت الحملة المركزة على العمل الخيري الإسلامي حدا من القسوة والتكرار والترهيب أدى إلى جفول الكثيرين من المبادرة إلى العمل الخيري الإنساني. وقد بدأ الأمر وكأن من مقاصد ذلك الفعل الشرير تجفيف منابع العمل الخيري الإسلامي.

ترتب على هذه الأجواء المنذرة المحذرة المثبطة حرمان ملايين الناس من العون والنجدة والمساعدة. ومما زاد البلاء والكرب أن العالم الإسلامي كله (تقريبا) يحتاج إلى المساعدة والعون، نظرا إلى ظروف «متشابهة».

ولنركز - في هذا المقال - على حالات أربع من حالات أخرى كثيرة:

أولا: حالة الصومال، فهذا البلد البائس شاهد ناطق على مأساة إنسانية مرعبة.. ولسنا بداخلين في تفاصيل هذه المأساة، ذلك أن الفضائيات ووسائط الاتصال الاجتماعي تكفلت بنقل الصور المفصلة التي تستدعي الدمع من العين، وتصدم شعور كل ذي شعور إنساني يربطه بالصوماليين رباط أخوة إنسانية وآدمية.

ومن هذه التفاصيل، مثلا: مشهد أطفال أنهكهم الجوع على نحو أليم، فإذا هم هياكل عظمية لا يعرف المرء أن فيها نبض حياة إلا من حركة الأعين الزائغة الملهوفة الصارخة بما يعانيه أصحابها.

ومن الحكايات الباكية، ها هنا أن سائلا صوماليا سأل مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: هل يجوز صيام من لا يجد سحورا ولا فطورا؟! فبكى المفتي من هول الحرمان الذي يعانيه إخواننا الصوماليون.

ثانيا: حالة اليمن؛ هناك معلومات (مصحوبة بالصور) تقول: إن نصف الشعب اليمني يعاني من الجوع، وانعدام الدواء، وسائر مقومات الحياة الكريمة.. وقد قصت علينا قصة هذه المسغبة صور كثيرة توثق هذا الكرب الأليم.. ما أسباب ذلك؟

الأسباب كثيرة منها:

أ) التقصير المروع - عبر عقود متتابعة - في تنمية البلاد.. وويل لمن أجاع هرة، فكيف بمن جوّع ملايين الناس؟!

ب) الفساد الغليظ الذي ينهب الموارد نهبا منكرا، لكي يسمن الفاسدون، ويجوع الشعب ويذبل وهكذا. فإن الفساد لا يوسع التفاوت الطبقي فحسب، بل يدفع بأوسع الطبقات إلى مهاوي الجوع والحرمان.

ج) الاضطرابات السياسية والاجتماعية الطويلة التي عطلت الإنتاج العام، وهي اضطرابات مسببة بتعطيل التنمية، وغلظة الفساد، واتساع نطاقه.

والنتيجة أن الشعب اليمني يشقى بمعيشة معجونة بالبؤس.

ثالثا: سوريا وما تمر به من أهوال في النفس والمال والأهل والولد.

إن السوريين معروفون بالكد والكدح في الحياة، ومعروفون (كذلك) بحسن التدبير فيما بين أيديهم من أموال وأقوات.. وهذه أسباب جعلتهم «مستورين» - على الأقل - في جملتهم، وفي أغلب الأحوال.

بيد أنه في هذه الأيام قد دهمهم من الكروب ما جعل كثيرا منهم في حاجة إلى عون ونجدة وإسعاف؛ فهناك فقدان الأمن بسبب الاقتتال الدائر، وهناك فقدان الدخل وانعدام المورد، وهناك النزوح والهجرة خارج وطنهم، طلبا للأمن والمأوى والزاد وما تقوم به الحياة بوجه عام، بعد أن تركوا بيوتهم ووطنهم مكرهين.

ولولا المزعجات من الليالي

لما ترك القطا طيب المنام

ولقد انفتحت في السعودية نافذة أمل حيث وجه العاهل السعودي بتنظيم حملة تبرعات خيرية، من شأنها أن تسهم في تخفيف معاناة السوريين.

رابعا: بورما.. ففي بورما مأساة طاحنة تشيب من هولها رؤوس الولدان. ولئن كانت مآسي الصومال واليمن وسوريا قريبة من الذهن والوعي، فإن كارثة مسلمي بورما تكاد تكون نسيا منسيا لأسباب كثيرة منها:

أ) ضعف الشعور الإسلامي، على الرغم من زحمة الشعارات الدينية.

ب) خيانة الإعلام العالمي والمنظمات الدولية - الرسمية والطوعية - للشعار الذي ترفعه، وتتغنى به، وهو شعار «حقوق الإنسان».

فلا جدال (بين أمم الأرض) في أن مسلمي بورما ينتمون إلى فصيلة «بني آدم»، أي أنهم ناس من الناس لهم حقوق الناس، كحق الحياة.. وحق الكرامة.. وحق المواطنة (الإقامة في وطنهم).. وحق الأمن.. إلخ.

هذا من ناحية نظرية. أما على أرض الواقع فقد انتهكت حقوق مسلمي بورما كافة؛ حق الحياة.. وحق الأمن.. وحق المواطنة.. و.. و.. و.

وعلى الرغم من ذلك كله: التزم العالم كله الصمت المريب تجاه مأساة هؤلاء الناس؛ الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والمنظمات الإقليمية.. إلخ.

ماذا يجري لمسلمي بورما؟

1) قتل خصومهم المتعصبون مائتي ألف إنسان مسلم.

2) اختفت على يد هؤلاء الخصوم الهمج 20 ألف امرأة وفتاة.

3) شُرِّد نحو ربع مليون مسلم.

4) دمر نحو ثلاثة آلاف مسجد.

هذا عدوان أثيم ليس له سبب قط إلا سبب أن هؤلاء الناس المضطهدين مسلمون «!!!!!!».

إن هذه الحالات الأربع المحروبة المكروبة المنكوبة تستدعي (فعلا خيريا) ناجزا وهائلا. ومما يعين على تحقيق ذلك ومباشرته أننا في شهر رمضان الكريم، وهو «شهر الخير» بلا نزاع.

فلا ريب في أن القرآن تنزل - أول ما تنزل - في رمضان «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان».

ومن محاور القرآن الأساسية ومقاصده العليا الدعوة إلى «فعل الخير»:

أ) «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون».

ب) «فاستبقوا الخيرات»

ج) «إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون».

ها هنا ربط كتاب «الخير»، أي القرآن، بين حقيقة الإيمان والمسارعة إلى الخيرات.

كما ربط (في آيات أخرى) بين عدم الإيمان والبخل بالطعام (والطعام رمز لكل ما يحتاجه الإنسان):

أ) «أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين»

ب) «ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين».

إن المسلمين يقتدون بنبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) في صيامهم رمضان لأجل إيقاع الفرض على سنته الشريفة. ومن تمام الاقتداء بهذا النبي الكريم، المسارعة إلى الإنفاق وفعل الخير في رمضان بوجه خاص.

كان النبي جوادا كريما في عمره كله. فإذا جاء رمضان تضاعف كرمه.. بأبي هو وأمي ونفسي، فمن أوصافه الجميلة أنه كان أجود ما يكون في رمضان، وأنه كان في رمضان أسرع بالخير من الريح المرسلة.