معارضة قوية أهم من المشاركة في الحكم

TT

دعوة الرئيس المصري لشخصيات غير إخوانية للمشاركة كنواب له أو في الحكومة تثير التساؤل عما إذا كانوا مجرد token أو إضافة مذاق غير إخواني؟ أو لسبب آخر؟

السيكولوجية الجماعية التي تشكلت على مدى 7 آلاف عام تدفع المصريين إلى تفضيل النظام الرئاسي الأقل ديمقراطية من النظام البرلماني الذي جربته مصر 1922 - 1954 فوفر الاستقرار والنهضة الاقتصادية الصناعية وازدهار الحريات المدنية والصحافة والفنون.

لم تتغير تركيبة الدولة المصرية منذ 7 آلاف عام، وحتى الاحتلالات الأجنبية التي انتهت بحكم إمبراطوريات خارجية وغيرت اللغة والعقيدة، أسرعت بالعودة للتركيبة السياسية لاستعادة الاستقرار بعد فوضى الغزو.

تركيبة الهرم المثلث: قمته الفرعون والقاعدة من المؤسسة الدينية، والمؤسسة العسكرية.

تغير لقب الفرعون (الحاكم الذي عينه الغزاة، السلطان، الوالي، الخديوي، الملك ثم الرئيس) نادرا ما تغيرت صلاحياته.

وباستثناء الفترة البرلمانية (1922 - 1954)، فالفرعون كان الحاكم الذي ساد فوق صلاحيات أجهزة الدولة التي اعتاد المصريون مركزيتها.

الاقتصاد المصري تأسس على الزراعة قبل عشرة آلاف سنة من النيل كمصدر ثابت. وبظهور الدولة المركزية قبل 7 آلاف سنة خضع لها الناس ودفعوا ضرائبهم مقابل الحماية وتنظيم الري وإدارته وقضاء لحل النزاعات.

في فترات عدم الاستقرار حددت ديناميكية الصراع أو التحالف بين أقطاب الهرم الثلاثة مسار تطور نظام حكم ارتضاه الناس، وعندما يتغير الحكم شكلا يبقى مضمونه الثلاثي.

الفرعون استمد شرعيته قديما من المؤسسة الدينية. طقوس أسطورة إيزيس وموت أوزوريس ومعجزة ميلاد حورس كانت تمارس في المعبد عند تولي الفرعون الجديد العرش كشخصية حورس. والخروج عن طاعة رأس الدولة لعنة تنتهي بصاحبها إلى جحيم العالم السفلي؛ حيث صاغت المؤسسة الدينية السيكولوجية الجماعية لتكون التصرفات ليس للاستمتاع بالحياة بل لادخار أعمال طيبة تميل ميزان العدل الإلهي لصالح الفرد عند يوم الحساب.

ورغم وقوف المؤسسة العسكرية على الحياد لم تصمد عاصمة أخناتون وديانته الجديدة سوى عقدين لمقاومة المؤسسة الدينية (فنظامه التعليمي كان أكثر عمقا في وجدان الشعب من بروباغندا فرعون). مؤسسة لم تتغير ديانتها لخمسة آلاف سنة، ثم تغيرت مرتين في الـ2000 سنة الأخيرة (بعقيدة الغزاة بدءا بإدخال الرومان المسيحية) لكنها امتصت في الثقافة المصرية.

ثالوث المسيحية هو تطوير للثالوث الإيزيسي، كعك عيد الفطر بعد إسلام المصريين، نفسه كعك أعياد المسيحيين، وأصلا عادة فرعونية.

زيارات المصريين - مسلمين ومسيحيين - للقبور واعتناؤهم بمعمارها استمرار لثقافة مقابر الفراعنة. ذكرى الأربعين وتلاوة القرآن كأنها جنازة ثانية أصلا عادة فرعونية؛ فالتحنيط كان يستغرق 39 يوما والجنازة في اليوم الأربعين.

الفرعون تغيرت ألقابه، والمؤسسة الدينية تغيرت عقيدتها؛ فقط المؤسسة العسكرية بقيت ثابتة لم تتغير شكلا ومضمونا. كان الجيش أداة مينا لتوحيد مصر، وأحمس لتحريرها من أقدم استعمار استيطاني، ورمسيس لتوسيع الإمبراطورية وحتشبسوت لغزو القرن الأفريقي وحماية منابع النيل.

لسبعة آلاف عام ظل الجيش دعامة مصر حماية للحدود، وحماية للداخل ولمعاهدات السلام التي وقعها جنرالات حتشبسوت ورمسيس والوالي محمد علي وحكومة النحاس باشا.

الفوضى الحالية في مصر، وعدم اتضاح شكل النظام، يجعلانا نميل للاعتقاد بأن السيكولوجية الجماعية ستدفع المصريين إلى الاحتماء بهرم الدولة المثلث بحثا عن الاستقرار الضروري للازدهار الاقتصادي.

رئيس الدولة الجديد ليس فقط غير محدد الصلاحيات، بل يحيط الغموض بهوية ثقافته السياسية، والشعب غير متأكد من مدى تأثير جماعة الإخوان والمرشد على قرارات الرئاسة وسياستها.

المؤسسة الدينية (في العصور الحديثة الأزهر، بشيخه الحالي المستنير ورؤيته السياسية الواضحة للشعب، والكنيسة القبطية) ضعف تأثيرها لحساب سيطرة الإسلام السياسي ولجوؤه للعنف (مصرع شاب السويس مثال لهذا).

ولذا فالمؤسسة العسكرية اليوم ليست فقط الدرع الحامية لمصر (تهديدات خارجية، وآيديولوجيات ذات آليات إرهابية، وتدفق الأموال الخارجية لدعم تأثير الإسلام السياسي لتقويض مؤسسات الدولة أو جر الجيش إلى حرب خارجية أو إلى صدام داخلي)، بل هي أهم قواعد الهرم المثلث وبلا ثباتها سينهار الهرم وتنهار مصر معه.

الإخوان، وهم التيار المسيطر على الرئاسة والبرلمان والثقافة السياسية والمظاهر الاجتماعية، لم تتغير آيديولوجيتهم منذ تأسيسهم قبل 80 عاما، وجوهرها إحياء الخلافة العثمانية تحت أسماء أخرى ولا يعبؤون كثيرا لمصالح الأمة المصرية أو حتى وجودها نفسه كدولة قومية بنفس الحدود والشعب لـ7000 سنة. والأنظمة التي انبثقت عنهم وعن آيديولوجيتهم (الصومال، أفغانستان، غزة، مالي) لا تبشر باستقرار الدولة القومية، ويعتبرونه معطلا لمشروع الخلافة الأممية.

هناك دعوات لمشاركة ساسة وممثلين لأحزاب وتيارات ليبرالية وعلمانية وقومية مصرية، وحتى من المسيحيين الأقباط لقبول مناصب سياسية تحت مظلة الإخوان في حكومة لرئيس وزراء من الجماعة، رغم إنكاره لذلك.

هذا في رأينا سيعطل النمو السياسي للديمقراطية المصرية. فلن يستطيع الناخب أن يعرف من هو المسؤول عن النجاح أو الإخفاق، خاصة أن الجميع سيدعون الفضل في الأول ويتنصلون عن مسؤوليتهم عن الأخير.

الحكومة القوية تحتاج لمعارضة أقوى. برنامج الحكومة الاقتصادي وللإصلاح السياسي يحتاج لرقابة ومساءلة معارضة برلمانية واعية. الصحافة تحتاج إلى وجود برنامج آخر للمعارضة لتقدمه للناخب ليقارن برنامج المعارضة بأداء الحكومة، نجاحا أو فشلا في تنفيذ البرنامج الذي وعدت به الناخب.

ولذا فالأفضل لمصر وللمشروع الديمقراطي اليوم، رفض أي سياسي أو تكنوقراط خارج جماعة الإخوان ولا يؤمن بآيديولوجيتهم المشاركة في الحكومة أو قبول أي منصب سياسي (خاصة أن الأقليات والمسيحيين أو النساء اللائي سيقبلون هذه المناصب سيكونون مجرد عرض في فاترينة لبضاعة غير موجودة في المتجر أصلا).

ولذا فعلى أنصار الدولة المدنية والعلمانيين والليبراليين والقوميين المصريين تكوين أحزابهم - والأفضل ائتلاف معارض - ببرنامج سياسي اقتصادي مختلف أساسه المصلحة القومية المصرية.

أداء كتلتهم في البرلمان كمعارضة مستنيرة، وفي منابرهم الإعلامية سيقدم للناخب المصري مشروعا وبرنامجا بديلا.

وجود كتلة المعارضة سيضع الإخوان أمام اختبار تاريخي إذا كانوا صادقين في وطنيتهم المصرية ويفون بوعود الالتزام بالخيار الديمقراطي.

فإما أن تنجح حكومة مرسي وقنديل (ولم يصوت لها سوى أقل من خمس الشعب) ببرنامج يقنع الناخب بإعادة انتخابهم، أو يفضل الناخب برنامج كتلة أحزاب المعارضة.

وإذا كرر الإخوان نكث العهود ستكون كتلة المعارضة السياسية القوية موجودة، وممثلة لرغبة أغلبية الشعب، لدعم القاعدة الثابتة لمثلث الهرم - المؤسسة العسكرية - إذا اضطرتها الظروف للتحرك داخليا لحماية الدولة المصرية من الانهيار.