الله يخرب شيطانك

TT

في العام الماضي وفي (24) يناير (كانون الثاني) تحديدا، وصلت إلى القاهرة لحضور معرض الكتاب الذي يقام هناك سنويا، وكنت أمني نفسي بالحصول على بعض الإصدارات، خصوصا ما يتعلق منها (بتربية الأطفال) و(كشف الطالع).

استقبلني أحد الأصدقاء المصريين، وذهب بي إلى أقرب فندق وكان هو (الهليوبوليس)، وفي الطريق عرفت منه أن القاهرة مضطربة، وأن المعرض تأجل إلى يوم (26) من ذلك الشهر، وقد لا يفتح نهائيا.

وصلت إلى الفندق ووضعت حقيبتي في الغرفة، وطلبت من صديقي أن يذهب بي مشكورا إلى (دار الكتب) العمومية، فقال لي: إنها أيضا مغلقة، فأسقط في يدي فقلت له: إذن في الصباح رباح، وفي اليوم الثاني الذي هو (25)، طلبت منه أن يأخذني على الأقل إلى حديقة (الأزبكية) حيث الكتب المستعملة تعرض هناك بأرخص الأثمان.

وهذا هو ما حصل، وهناك غرقت ونسيت نفسي في البحث والتقليب والسؤال والشراء، ومرت ساعة وأعقبتها ست ساعات، وصديقي يزن فوق رأسي (كالدبور) ويذهب ثم يعود طالبا مني التوقف حيث إن الأمور بدأت تكون خطيرة، ولم أصغ له أو أعطه أي اهتمام، وعندما ضاق ذرعا ببرودي ما كان منه إلا أن يمسك برأسي ويرفعه على فوق قائلا لي: انظر للعمائر، وعندما رفعت رأسي إذا بالنوافذ والشرفات والسطوح كلها تمتلئ بالبشر الذين ينظرون للجحافل الهادرة كالسيل في الشوارع، فسألت صديقي: إلى أين هؤلاء ذاهبون؟! فقال: إلى (ميدان التحرير)، فقلت له دعنا نذهب معهم، فقال: (وما دخلك أنت)؟! قلت له: أريد أن أتفرج، قال: على كيفك، أما أنا فأريد أن أسرع على (عربيتي) - أي سيارتي - لأنني أخاف أن لا أجدها في هذه الزحمة والفوضى، وتركني وذهب، وأخذ الباعة يغلقون (أكشاكهم)، وانطلقت أنا أسير كالمعتوه مع هذه الجحافل (ويا غافل لك الله)، وإذا بي أصل بعد أكثر من ساعة إلى بؤرة ميدان التحرير، والكل يصيح والكل يهتف وأنا لا أدري ماذا أقول؟! وكل ما أذكره أنني بدأت (أنطنط)، وبدأت أنفاسي تضيق، وبكثير من المدافعة والمعافرة وتمزيق الثياب استطعت بجهود مضنية أن أخرج من تلك المعمعة، عندها (راحت السكرة وجاءت الفكرة) وتأكد لي ساعتها أنني بالفعل إنسان أحمق ولم (أبلغ الحلم) بعد، لأنني لم أستمع إلى نصيحة صديقي الذي اتصلت به من تليفوني الجوال طالبا منه النجدة، فقال لي بكل بساطة (ذنبك على جنبك) وفين ما تحط رأسك حط رجليك، ثم أغلق تليفونه نهائيا.

لا أريد أن أحكي لكم كيف وصلت إلى فندقي، فهذه حكاية يطول شرحها، ولكنني لم أصل إليه إلا في ظهر اليوم الثاني الذي هو (26)، وطوال ذلك اليوم ظللت طريحا في الفراش لا أنا نائم فأصحو ولا أنا صاح فأنام.

وفي يوم (27) استغللتها فرصة، وذهبت إلى عنوان أستاذ قديم كان يدرسني في المرحلة الثانوية للسلام عليه، وعندما دخلت عليه وجدت أن (ألزهايمر) قد لعب به ولم يتذكرني بتاتا، ولكنني عندما قلت له: هل تتذكر الذي كنت تقول له: (أحلق دقني إن كنت فلحت)، عندها لمعت عيناه وبدأ يضحك قائلا لي: أيوه (الله يخرب شيطانك)، أنت الواد مشعل.

وفي يوم (28) مكثت في مطار القاهرة المتكدس بالناس تسع ساعات، إلى أن وجدت مقعدا في إحدى الرحلات إلى جدة، ورجعت (بخفي حنين).

[email protected]