يصدق كل ما يقول

TT

«هذا الرجل لن يتوقف عند حد، فهو يصدق كل ما يقوله».. هكذا تكهن ميرابو، خطيب الثورة الفرنسية، عن جزارها الأول، ماكسيميليان روبسبيير. هذا ما تكرر مع لينين. هذا ما حدث مع هتلر. عندما أباد بول بوت ثلث الشعب الكمبودي لكي يقيم مجتمعا زراعيا ذا اكتفاء ذاتي، كان شديد القناعة بما يقول. ألم يكن ماو تسي تونغ مؤلف «الكتاب الأحمر» مثله الأعلى؟

يتعلم جميع هؤلاء الدرس الأول من روبسبيير: لا تفكر كثيرا في أرواح الناس لأنها مزعجة. بل لا تفكر في الناس أساسا، فهم يتوالدون. حبالات ولادات على قول الفريق أمين الحافظ حول موت شعبه. اليوم موت وغدا ولادة. تعلم أن الناس تولد من أجلك وتموت من أجلك. قتل الجيش الفرنسي كله من أجل نابليون، الملازم الذي صار إمبراطورا. ذبح هولاكو بغداد ثم بنى لمن بقي حيا أفضل مرصد فلكي. تعالوا تسلوا مع سيدكم هولاكو القادم بسيفه من بلاد المغول.

اختصرها ميرابو الذي كان في العلن خطيب الثورة وفي الخفاء «وسيط» الملكة أنطوانيت، في انتظار من يربح ولمن يحسم الأمر. هذا الرجل يصدق ما يقول، وليس ما يسمع ولا ما يرى. إنه أضعف من أن يخرج من العالم الذي صنعه له المنافقون، طوبة طوبة وزنقة زنقة. يتكرر المشهد على مر التاريخ، دون أي تغيير. مجرد إضافات جديدة من معالم العصر: الإذاعة بدل الخطاب والتلفزيون بدل الإذاعة والأثير السحري بدل الحمام الزاجل.

تأملوهم جميعا. كل واحد يستخدم لغة الرجل الذي أطاح به. ولباسه وقصره. روبسبيير كان يلمع شعره المستعار مثل لويس السادس عشر، لكن لون وجهه ظل مثل «مصل اللبن». ماذا كان اسم اللجنة التي ترأسها روبسبيير؟ «لجنة السلامة العامة». بهذه الصفة قال: «يجب أن يموت لويس السادس عشر لكي يحيا الوطن»، وبها انطلق ليأمر بإعدام كل من وقع اسمه تحت ناظريه. يذكرني ذلك المعقد التاريخي القاتم مثل الدم الجامد بشتام ينتقي مواضيعه من دفتر الهاتف العمومي: اليوم دور الذين تبدأ أسماؤهم بحرف الباء. المقال المقبل مخصص لثلاثة أحرف، لأن المساحة أوسع والحرف بالبنط الصغير. البقية في الأحرف التالية. بئر كره ومرشة حقد. الوحيد الذي يصدق ما يقول.

يبدأ جميع السفاكين من منطلق إصلاح العالم. رسالة مقدسة وعبقرية لا مثيل لها. يتولى صناعة باقي الجريمة المنافقون والجبناء وسوقة الانتفاع بالموت الجماعي والبؤس الدائم. ولد تعبير «الأكثرية الصامتة» من فجور الأقلية الناطقة.