«أتعبت من بعدك» يا دكتور

TT

دون استحياء أو مواربة، أنا مفتون تماما بمسلسل «عمر» الذي أنتجه تلفزيون قطر وشبكة تلفزيون «إم بي سي». ورغم أن تقديم رأي أو نقد فني لعمل تلفزيوني يستلزم - موضوعيا - أن ننتظر حتى يتم استكماله في نهاية الشهر الفضيل، فإن ما رأته الأعين وسمعته الآذان، ووعاه العقل يؤكد لي أننا أمام تحفة فنية من إبداع حاتم علي، وأمام نص عبقري كتبه الصديق العزيز الدكتور وليد سيف، وأمام إنتاج فني أنفق عليه بما يليق. ورغم أن سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه قد مر عليها أكثر من 1400 عام، فإن الدكتور وليد سيف يعيد اكتشاف مناقب هذه الشخصية التاريخية، ويطرح رؤية مستنيرة وعميقة لعبقرية فذة يندر أن يأتي الزمن بمثلها استطاعت أن تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتحطم وثنية العقل التقليدي والفكر المتجمد، وعادات وتقاليد بيئة صحراوية قاسية.

استطاع الدكتور وليد سيف أن يظهر مكنونات ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد أقرب الناس إلى سيد الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أيضا أحد أبرز علماء الصحابة ومن أتقى زهادهم، وأحد أعدل حكام البشرية. ويوضح لنا العمل كيفية الانتقال والتحول المذهل لسيدنا عمر، حيث كان أشد وألد أعداء الدعوة الإسلامية في مكة، وقيامه بتعقب ومواجهة كل من ينشرح صدره بنور الإسلام، حتى إنه كان يفكر في تصفية الرسول عيه الصلاة والسلام هو ورفاقه.

هنا تأتي اللحظة الفاصلة التي يدخل فيها نور الإيمان إلى النفق المظلم الذي ظل يتحكم في نفس أهل قريش وسادتهم. وأن تكون من سادة قريش ومن أشرفها نسبا، ومن أعتى من جهر بالعداء لمحمد ثم تخرج إلى الكعبة حاملا درعك وقوسك ورمحك وسيفك هاتفا ومعلنا إسلامك مستعدا لقتال من يعارضك فتلك مسألة لا بد من التوقف أمامها في شخصية الفاروق.

«عمر» قوي بإيمانه، متميز بعدله، مستنير بحكمته، نقي بزهده، منفتح بمرونته، إنسان استثنائي بعاطفته، قائد بحزمه، مقاتل بفدائيته. وحينما يقول عمر: «لأن أبدل واليا كل يوم خير من أن يبقى أحدهم ظالما لمدة ساعة وإن لم أفعل ذلك فأنا شريكه في الظلم». فإنه في الحقيقة يقدم النموذج العمري الفذ في شؤون الحكم. إن إسلام عمر هو استجابة من الله سبحانه وتعالى لدعوة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام» وبعدما أسلم الفاروق نزل سيدنا جبريل بقوله تعالى: «يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين».

أوقف الحدود عند المجاعة، وأخذ بنظام الدواوين والتطور الإداري من الأعداء، واحترم حقوق مسيحيي الشرق وعقد مع قساوسة بيت المقدس العهدة العمرية التي تعتبر وثيقة تسامح وعدل غير مسبوقة.

وإذا كانوا يقولون للفاروق رضي الله عنه «أتعبت من بعدك» في أسلوب ونظام وعدالة الحكم، فإنني أقول للدكتور وليد: أتعبت من بعدك حينما يحاول غيرك تناول شخصية الفاروق.