عسل لافروف وكيماوي المقدسي

TT

ما من أحد يغبط «الناطق الرسمي» على هذه المهمة، خصوصا في «زمن الكوليرا»، كما في تعبير غابرييل غارسيا ماركيز. وعندما تحدث الدكتور جهاد المقدسي عن سلاح سوريا الكيماوي، لم يدر أحد من يريد أن يرعب رجلا في مثل علمه وأناقته، يعرف جيدا أن الكيماوية تهمة لصاحبها لا لهدفها. فقد شرع صدام حسين أبواب العالم ضده لحظة استخدم السلاح الكيماوي في حلبجة. وخسر علي حسن المجيد اسمه الثلاثي وأصبح يعرف بعلي الكيماوي حتى لحظة شنقه.

على الرغم من أن المقدسي وجه تحذيره إلى الغزو الخارجي، فالمعروف أن سوريا تخوض حربا داخلية منذ 18 شهرا. وكانت هذه الحرب في كل سوريا إلا دمشق وحلب. لم ينتبه ربما إلى أن معركته مختلفة عن حرب الأوغاد والعلوج التي خاضها محمد حسن الصحاف باستخدام التعابير التي حركت عملية العودة إلى القواميس. وكان الرجل مسليا للجميع، وخصوصا للمراسلين الذين أعطى رسائلهم نكهة غير مسبوقة.

الدكتور المقدسي ينتمي إلى عائلة دمشقية عرفت بالبلاغة العربية وعلم اللغات. فلماذا القفز فورا إلى الكيماوي؟ هل أعوزته المفردات التي يمكن أن تخيف أهل سوريا لا أعداءها؟ ولا شك في جدية الرجل؛ فمن يستخدم الطائرات والدبابات والمدافع لقصف الناس، يجب أن يؤخذ على محمل الجد. وكانت طائرات سوخوي السورية قد قصفت ميشال عون لإخراجه من قصر بعبدا. ولذلك يكرر عون منذ أشهر أن النظام السوري هو آخر الأنظمة الديمقراطية في المنطقة. ويكرر كذلك، بنفس الصمود والتصدي، أن «الأزمة أصبحت وراءنا».

من الصعب أن تعرف ما هي الحقيقة بمجرد متابعة الدكتور مقدسي والجنرال عون. يبدو المقدسي أكثر أناقة وطلاقة من الناطق الشهير باسم القذافي. وقد استعين به، كما استعين بالصحاف والمقدسي، بسبب معرفته باللغة الإنجليزية من أجل مواجهة أسئلة المراسلين الأجانب. لكن في الحالات الثلاث تبين أن المسألة ليست لغوية إطلاقا، والقضية ليست المهارة في مخاطبة المراسلين، بل الصدق والبساطة في مخاطبة الناس. فإلى أن اكتشف العراقيون معنى «العلوج» كان الأميركيون قد هبطوا في بغداد ومكتب الصحاف قد أغلق والرجل أصبح في طريقه إلى الإمارات.

كان أسعد حظا من الناطق الليبي الذي لم يدم طويلا لنحفظ اسمه. أما جهاد مقدسي فسوف يدخل التاريخ على أنه الدكتور البالغ الأناقة الذي كان أول بشري يهدد علنا بالسلاح الكيماوي. في هذه الحال أفضل للمرء أن يستمع إلى الرفيق سيرغي لافروف دون سواه. عسل يا سيرغي عسل. كم شعرت بالسعادة في شباط (فبراير) الماضي عندما قال في دمشق إن الأسد ملتزم بالإصلاحات الدبلوماسية في أسرع وقت ممكن، وكذلك «وقف العنف من أي جهة أتى». الحقيقة، عسل لافروف ولا كيماوي المقدسي.