نقطة التحول في الثورة السورية

TT

قرأت مؤخرا عددا من صحيفة «الجماهير»، التي تتخذ من حلب مقرا لها. في بعض الأحيان، يمكنني أن أعثر على بعض النقاط شديدة الأهمية، ليس فقط في القسم السياسي، وإنما أيضا في الأخبار السياسية والثقافية. وقراءة مثل هذه الأخبار تتيح لنا مشاهدة الصورة الكلية للنظام السوري. نشر الخبر التالي يوم الثلاثاء، 24 يوليو (تموز) في الصفحة الأولى من صحيفة «الجماهير»:

انقطاع متواصل للمياه منذ أكثر من أسبوع في منطقة ساحة الملح - شارع القصر العدلي.

- سكان بستان القصر شارع مطحنة قشقش يعانون من انقطاع الكهرباء يوميا من الساعة 9 للساعة 12 ظهرا ثم من الساعة 2 للساعة 8.30 مساء.‏

- أهالي حلب يناشدون شركة الكهرباء بعدم قطع التيار أثناء صلاة الجمعة والتراويح لما تسببه من ضيق وإزعاج للمصلين وخصوصا كبار السن نتيجة الحر الشديد واكتظاظ المساجد بالمصلين.‏

- انتشار ظاهرة بيع الأغنام بجانب مستديرة قاضي عسكر ووقوف سيارات لنقل الركاب حولها مما يسبب اختناقا مروريا يوميا.‏

- يقول مواطن: في هذه الفترة تشهد شوارع مدينة حلب مرور ناقلات مواد البناء (الإسمنت) بشكل كبير ودائم في معظم الشوارع الرئيسية والفرعية، وتقوم هذه الشاحنات أثناء السير بإسقاط المواد البيتونية على الشوارع وبشكل كبير في معظم الأحيان ودون أي مبالاة منها، وهذا ينعكس سلبا على نظافة الشارع وتعطيل المادة الزفتية وانتشار الغبار وتغيير هيكلية الشارع ومظهره.

يمكننا أن نضيف أيضا الحرب الأهلية الدائرة بين الجيش السوري الحر والجيش النظامي وقوات الأمن السورية في حلب. إضافة إلى ذلك، فقد تعرضت حلب لقصف بمروحيات مسلحة وطائرات نفاثة. تخيل الوضع الحالي في سوريا، لا يتمكن مواطنو المناطق التي يسودها الاضطراب من الحصول على المياه والكهرباء، ويتعين عليهم تحمل القصف العنيف من جانب النظام. ما تقييمنا للموقف؟ من يمكنه تبرير أفعال نظام الأسد؟ ماذا يجب أن يكون معيار تقييم الموقف؟ منذ احتلال الجولان في عام 1973، على مدار فترة 39 عاما، لم يستخدم النظام مطلقا مقاتليه ضد إسرائيل؛ على النقيض، في عامي 1982 و2012، استخدم مقاتليه وأسلحته ضد شعبه. لماذا؟ لأن النظام لا يملك أي شرعية. قرأت تعليقا ساخرا في إحدى المقالات:

محرقة معركة دمشق.. كارثة تخفيها المعارضة

كتب كاتب التعليق – يوسف العظمة:

فجر الياسمين 25/ 7/ 2012 04:18، توقيت دمشق.

في دمشق منارات من الأبجدية إلى حضارة الفينيقيين وزنوبيا وماري والأمويين والحمدانيين وإبراهيم هنانو والأطرش وصالح العلي والخراط والدندل ويوسف العظمة والقائد الخالد حافظ الأسد.. كلها منارات تعني أن سياج الوطن الحقيقي هو المحبة.

وقتما كان يوسف العظمة يكتب تعليقه، كان المقاتلون يقصفون حلب، ولم تكن هناك مياه أو كهرباء.

ربما كان محمد الماغوط محقا عندما قال:

«مستقبل الحرية مظلم

مستقبل الحب مظلم

مستقبل الثقافة مظلم

وفوق ذلك:

هناك تعتيم إعلامي

وتعتيم سياسي

وتعتيم عسكري

وفوق ذلك انقطاع التيار الكهربي كل نصف ساعة

ومع ذلك لا يتحدثون في هذه الأيام سوى عن الشفافية».

(شرق عدن، غرب الله.. ص: 43 - 44).

إنها حالة من الغشاوة. كي أكون صادقا، فمقارنة بالأسد، كان مبارك رجلا نبيلا بحق! لم يستخدم أي مروحية أو دبابة أو طائرة مقاتلة نفاثة ضد شعبه. وحينما أدرك أنه وأسرته ونظامه قد فقدوا شرعيتهم، تخلى عن السلطة. نتذكر فقط «موقعة الجمل» في القاهرة بوصفها آخر صورة كاريكاتيرية لنظام مبارك.

الآن، نحن نواجه سؤالا كبيرا، ألا وهو: هل بإمكان الأسد حماية سلطته ونفوذه من خلال استخدام طائراته المقاتلة النفاثة ودباباته؟ بعبارة أخرى، عندما يستخدم نظام، مثل النظام السوري، طائرات مقاتلة نفاثة ضد شعبه، هل تعتبر هذه إشارة إلى مواطن قوة النظام أم دليلا على ضعف وهشاشة مكانته. هل قتل شعبهم سيجعل بذور السلطة تنمو بشكل أكثر قوة وكثافة؟ بالطبع تعمل هذه الطائرات المقاتلة النفاثة كمعول يقتلع النظام تماما من جذوره.

يقول الله في كتابه الكريم: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا». (سورة الكهف: آية 104).

السؤال الثاني هو: لماذا بعد حادث تفجير مجلس الأمن في دمشق لم نشهد أي مظاهرة من جانب السوريين لدعم نظامهم؟ إن حلب ليست بمدينة صغيرة، إذن، أين الجماعات المؤيدة للنظام. دعوني أروِ لكم قصة فريدة. برفقة بعض أعضاء البرلمان الإيراني، توجهت إلى حلب في عام 1985.

ذهب آية الله بيات، النائب الثاني لرئيس البرلمان، الذي يعتبر الآن أحد كبار آيات الله في قم، وآية الله قرباني، إمام صلاة الجمعة الحالي، وممثل آية الله خامنئي في رشت، ودكتور أصغري، وزير العدل السابق، وأنا، بوصفي نائبا لرئيس الوزراء مير حسين موسوي، إلى الجامع الكبير لأداء الصلاة. بعدها، تقدم نحونا سوري متوسط العمر ودعانا بحفاوة إلى منزله.

كان وجهه مفعما بالطيبة. نظر بعضنا لبعض، وطلبت من زملائي أن نذهب. وذهبنا بالفعل إلى منزله الذي كان كائنا في طريق المتنبي، الذي لا يبعد كثيرا عن المسجد.

وبود وحفاوة شديدين، أعد لنا بعض الطعام، وحدثنا قائلا: «يوما ما سيغير النظام رأيه بشأن نظام الأسد. فهو يقتل شعبه، هل يمكنك تخيل نظام يستخدم الطائرات المقاتلة النفاثة ضد شعبه؟».

واصل قائلا: «تعرضت حماه لقصف ولحق بها الدمار، ولقي فيها أكثر من عشرين ألف شخص مصرعهم. وتم ذبح أسر كثيرة وأطفالها. يجب أن تقولوا له لا تقتل شعبك البريء». بعدها، أجهش في البكاء. قبل عشر سنوات، التقيته في دمشق للمرة الثانية. وحينما عدت من منزل الدكتورة نجاة العطار – كان منزلها بسيطا جدا – التقيت عثمان. كان مريضا، وبعد عام، وافته المنية، غير أن كلماته الحكيمة ظلت عالقة في ذهني: حينما يستخدم أي نظام طائرات مقاتلة نفاثة ضد شعبه، تكون هذه إشارة قوية إلى أنه على وشك فقدان سلطته، فالأنظمة لا تقوى شوكتها بارتكاب المذابح.

دائما ما تكون الحبال السميكة قوية، باستثناء حبل واحد، وهو حبل الوحشية: فكلما زاد سمكه، زاد احتمال تمزقه بقوة.