ورطة!

TT

في يوم من الأيام سيدرك الشعب العربي جيدا حجم الضرر الكبير الذي تسبب لهم فيه حزب الله عموما وحسن نصر الله تحديدا بسبب مواقفه المختلفة، ولكن تحديدا في موقفه المؤيد للنظام المجرم في دمشق الذي فعل بشعبه ما لم يفعله السفاحون والحشاشون!

كنت أراقب وأنصت لخطاب حسن نصر الله الأخير والذي كان يرثي فيه ثلة من المجرمين المحسوبين على نظام بشار الأسد، فيقوم بإهانة الشعب السوري وعقول الأحرار بوصفهم بأنهم «شهداء» و«رفاق سلاح» ومناضلون ومجاهدون، وغير ذلك من الهرطقة المهينة.

اليوم بات حسن نصر الله بموقفه الداعم والمؤيد للقتل وسفك الدماء جزءا من المشكلة، فهو عنصر داعم ومساند للطغيان الحاصل على أرض الشام، ولكنه أيضا سياسي ويحسب المسائل، فهو يدرك تماما (مهما كانت رغباته تشتهي عكس ذلك) أن النظام السوري يغرق مثله مثل «التايتنك» العملاقة بعد اصطدامها بجبل الجليد المغمور تحت الماء، المياه تدخل بغزارة لقلب السفينة والغرق بدأت مسيرته نحو الأعماق، هكذا حال النظام السوري.

ولذلك كان لافتا جدا في خطاب حسن نصر الله تركيزه الشديد على الشكر والإشادة والتمجيد الهائل بالصواريخ «السورية» المصنعة «في سوريا» و«الموردة من سوريا»، وهي التي «أشادت بها إسرائيل» وقالت إن «الصواريخ السورية» هي أقوى سلاح وجه ضدنا، استغربت من شدة التركيز على «هوية» الصواريخ وكثرة التعريف والتذكير بذلك! فأدركت أن الغرض من ذلك هو «تلبيس» النظام الساقط والغارق كل المصائب وتحميلها عليه، وإبعاد كل التهم والادعاءات عن إيران ونظامها، وقد نرى بعد أيام قليلة «شهودا» في لبنان يدلون بدلوهم في قضية اغتيال رفيق الحريري ليحملوا مسؤولية ما حدث بشكل مباشر وصريح لآصف شوكت صهر بشار الأسد الذي قضي مؤخرا في تفجير دمشق الكبير الذي استهدف الخلية الأمنية المهمة التي كانت تدير الأزمة السورية بحسب النظام السوري.. كل ذلك لأجل إبعاد كل خيوط الاتهام عن إيران وعن موزع ثورتها الحصري الأول بالمنطقة حزب الله.

حزب الله يدرك تماما أن حلفه الحاكم بدا الآن واهنا كخيوط العنكبوت، فنجيب ميقاتي ووليد جنبلاط وميشال عون اهترأت قوتهم وضعفت حجتهم واصطدموا بواقع حقيقي أثر على طموح كل منهم شخصيا. فميقاتي غير قادر على إعادة هيبة الدولة في أكثر من موقع، والاعتصامات أنهكته وأضعفت موقفه، وهو يعلم أن كثيرا منها مفتعل من حلفائه لإحراجه، ووليد جنبلاط يريد الخلاص وإعلان الطلاق من حلف «أذله» بالذهاب إلى دمشق مكسورا مطأطئ الرأس طالبا السماح والعفو، ويريد الصياح بأعلى صوته فرحا لعدالة السماء وانتقامها لدم أبيه المغدور، وهو يرى نظام دمشق الأسدي يتزلزل بقدرة الثورة الشعبية عليه، وميشال عون يتحسر بعد أن بلغ من الكبر عتيا، وهو يدرك يقينا أن حلم رئاسة الجمهورية الذي طالما حلم به وساير وبدل من مواقفه كمهرج في سيرك رخيص بات مستحيلا مع تضعضع نظام دمشق الأسدي.

ولكن يبقى حسن نصر الله صاحب الفاتورة الأكبر في حال سقوط الأسد الوشيك، فهو اليوم مطالب بإيجاد شريان حياة بديل له، لأن النظام القادم في دمشق سينظر إليه بنظرة شك وريبة وقلق وخوف قياسا بموقفه المدافع والمستميت عن بشار الأسد ونظامه القاتل، ولكن الخسارة لم تطل منظومة حزب الله فحسب، ولكنها أضرت بالطائفة الشيعية ككل منذ مجيء الثورة الخمينية للحكم، وولاية الفقيه توسع الهوة مع كل جيرانها وفرقائها بشكل وكأنه لا عودة فيه.

سوريا الجديدة ستكون «مختلفة» عن مزرعة تحكم فيها طاغية ليورثها لابنه ويبيع للعالم أوهاما وأساطير أتى الوقت لفضحها والخلاص منها.

[email protected]