الأكراد وهواجس الماضي

TT

مسألة تسليح الجيش العراقي تثير حفيظة بعض القيادات الكردية، ولهم بعض الحق في هذا التحفظ إذا ما كان العراق بلدا غير ديمقراطي، لكن أن يتحفظوا على تسليح الجيش العراقي وهم يشغلون مواقع قيادية في هذا الجيش؛ فإنها مسألة تحتاج لوقفة ومناقشة.

هل الأكراد غير واثقين من شركائهم، وخصوصا الشيعة؟ وهل يتوقعون أن تستخدم الحكومة الاتحادية السلاح ضدهم؟ بالتأكيد الإجابة هنا تكون متباينة، فالأكراد، وخصوصا جناح مسعود بارزاني، يرون أن من الضروري جدا أن يبقى العراق ضعيفا عسكريا مقابل تقوية الأطراف، وخصوصا قوات الإقليم، وهذا ما تمثل بتأسيس أكثر من مؤسسة عسكرية وأمنية في الفترة الأخيرة أثارت حفيظة بغداد كما أثارت حفيظة بعض الأكراد، وبخاصة قوى المعارضة الكردية التي وجدت فيها ما يشبه السعي لترسيخ حكم عائلة بارزاني في كردستان على حساب القوى السياسية الأخرى الموجودة في الإقليم.

لكن في الأيام الماضية حدثت حالة شبه تصادم بين الجيش العراق الاتحادي وقوات البيشمركة عندما حاول الجيش العراقي الانتشار عند الحدود السورية - العراقية مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه المناطق ليست كردية بل هي حتى هذه اللحظة ضمن حدود الموصل الإدارية وخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي باعتبارها مناطق متنازعا عليها والفصل فيها ما زال بعيدا بحكم تباين الرؤى حول هذه المادة الدستورية هل ماتت أم ما زالت تتنفس؟

وبغض النظر عن هذا، فإن تصرفات قوات البيشمركة تعكس أن بعض القيادات الكردية ما زالت لم تغادر عقدة النظام السابق، بل إنها لا تريد أن تغادر مفهوم «وجود خصم»، أو ربما لا تستطيع أن تبقى دون خصم، وأفضلهم هو الجيش العراقي الذي ما زالت بعض القوى الكردية تحرص على عدم تسليحه، وهذا ما يجعلنا نسأل عن الأسباب.. أحد هذه الأسباب، كما قلنا، هو الخلفية التاريخية للصراع الكردي – العربي الذي كان صراعا قوميا انتهى أو يفترض أنه انتهى بزوال نظام صدام، وبغداد لم تعد تنظر إلى الأكراد على أنهم أقلية متمردة، بل بالعكس نجد الدستور العراقي تعامل معهم كشركاء لا بد منهم، والواقع الموجود حاليا يؤكد ما نقوله.

والأكراد من ركائز التحول الجديد في العراق بحكم أنهم تمكنوا من الخلاص من نظام صدام بعد غزو الكويت وتحريرها من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبكل تأكيد فإن هذا الخلاص المبكر منحهم فرصة أن يتكون لديهم جيل جديد من الشباب يحمل روحا جديدة، بالإضافة إلى بلورة رؤية كردية لمفهوم الدولة الفيدرالية وتعددية حزبية وفرت مناخا ملائما لهضم الديمقراطية بشكلها الصحيح قبل باقي أجزاء العراق التي ظلت حتى عام 2003 تعيش الشمولية، وهذا ما كان حاضرا بقوة بعد سقوط النظام البعثي، حيث وجدنا أن الأكراد كانوا حريصين على وحدة البلد دون أن يفرطوا بما تحقق لهم من مكسب تمثل بإدارة فيدرالية لإقليم كردستان العراق كانت موجودة في ظل وجود نظام البعث البائد الذي لم يستطع أن يلغي هذا بحكم الوضع الدولي آنذاك، وهذه الخصوصية رسخها الدستور العراقي الذي كان الأكراد أكثر تحمسا لإقراره في عام 2005، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تمسكهم بالوحدة الوطنية كونهم جغرافيا جزءا من العراق، والشعب الكردي أحد مكونات الشعب العراقي.

وهنا علينا أن نعرف أن بعض قيادات كردستان، وفي مقدمتهم مسعود بارزاني، ما زالوا يفكرون بعقلية الماضي، لهم هواجسهم غير المشروعة، هواجس ربما لا وجود لها إلا إذا أراد البعض استحضارها ومحاولة بناء جيل من الشباب الكردي يناصب الدولة العراقية العداء، التي لا يمكن أن تناصب العداء لجزء منها كما كان في السابق، وهذا يعني أن على الجميع تغيير مفاهيمهم ومغادرة الماضي.