ثورة سوريا الكاشفة الفاضحة

TT

ثورة سوريا إذا انتصرت فلن تقلب موازين القوى في المنطقة أو تربك بعض التحالفات فحسب، بل هي في الحقيقة شرعت في هز بعض المفاهيم التي لو لامسها أحد أو حام حول حماها لصنف على أنه طائفي. فقبل اندلاع الثورة السورية، كان الذي يحذر من امتطاء إيران للتبشير الشيعي لتعزيز تمددها السياسي، أو يتحدث عن التوافق الطائفي بين نظام إيران ونظام سوريا - يعتبر في الحقيقة طائفيا أو في أقل الأحوال فيه لوثة طائفية، وقد كان هذا التحذير المبكر من خطورة هذه الاستراتيجية الإيرانية حكرا على التيارات السلفية التقليدية والسلفية المسيسة، وأما حركة الإخوان والتيارات الإسلامية المقاربة لمنهجها فكانت تتحاشى منازلة الاستراتيجية الإيرانية أو التصدي لها ناهيك بفضحها وتعريتها، صحيح أنها تتذمر من النفس الطائفي في الاستراتيجية الإيرانية، لكنها تمتنع عن المصادمة بسبب وجود تقاطعات في المصالح بين بعض أذرعها في الدول العربية وإيران التي عرفت من أين تؤكل كتف العالم السني.

وقد نجحت آلة الدعاية الإيرانية منذ اندلاع ثورة الخميني، ومعها دعاية حلفائها في المنطقة، في خداع الشعوب العربية والإسلامية، مرة تحت شعار الوحدة الإسلامية، ومرة باسم مقاومة إسرائيل، ومرة من خلال ابتزاز الدعم المادي، كما هو حاصل مع حركة حماس، التي ما إن اندلعت الثورة السورية حتى أحرق لهيبها المظلة المزيفة التي تجمعها بالثورة الإيرانية.

وحتى لو سكت قادة حماس عن الحديث عن التورط الإيراني الطائفي في سوريا، فقد كفتهم أذرع «الإخوان» في بقية الدول العربية عن الحديث الصريح في كشف المخطط الإيراني الذي عرته الثورة السورية، فمن تصريحات الشيخ القرضاوي المحذرة من انتشار التشيع في مصر، إلى موقف الشيخ الغنوشي المعترض على التبشير الشيعي في تونس وتأييده لتصريحات القرضاوي، إلى التحول الواضح في الخطاب الإسلامي الحركي الناقد لإيران ودعمها لنظام بشار، المدفوع بأجندة طائفية واضحة، وأما ذروة هذا التحول فكانت في التصريح المدوي للرئيس المصري محمد مرسي حين قال إن السعودية ترعى الإسلام السني ومصر عليها الحماية، ولا نحتاج إلى مزيد تأمل حتى نخلص إلى أن هذا التصريح موجه بالدرجة الأولى لإيران، التي لم تترك بلدا سنيا واحدا إلا ورعت نشاطها التبشيري فيه، فأحدثت خلخلة في الوحدة المذهبية لهذه الدول التي لا تعرف للتشيع وجودا، وشوهت تناغمه الذي كانت تتفاخر به.

وهذا الأزهر المتسامح، الذي وصل تسامحه درجة تدريسه المذهب الفقهي الجعفري بالتساوي مع المذاهب الفقهية السنية الأخرى، غيّر هو الآخر لهجة خطابه بعد إدراكه لخطورة الأخطبوط الإيراني الملوث بتصدير آيديولوجيته المذهبية، وأيد في خطوة لافتة إدراج مواد جديدة في الدستور المصري تحرم وتجرم سب الصحابة وأمهات المؤمنين، مما يدل على أن إيران بالغت في استغباء العالم السني ومؤسساته وعلمائه وحركاته، فانقلب السحر على الساحر وصارت تندب حظها وهي ترى تنامي الوعي بمخططاتها في نشر آيديولوجيتها.

أعود إلى التحول الاستراتيجي في موقف الحركات الإسلامية السياسية تجاه إيران ومخططاتها التي عرتها الثورة السورية، الذي يجب أن يرعى ويؤخذ بيده، خاصة أن هذه الحركات وصلت إلى قمة الهرم السياسي في كل من مصر وتونس. فإذا كنا نحذر من خطورة التقارب بين الحركات الإسلامية السياسية مع إيران وهي في المعارضة، فمن باب أولى أن توثق الدول العربية العلاقة معها وهي في السلطة، وخاصة السعودية.

دماء الشهداء السوريين الزكية عزيزة وغالية على نفوس العرب، والدمار الذي تسبب فيه نظام بشار الفاشي شديد، والتضحيات ضخمة، لكن المقابل كبير وكبير للغاية، فالثورة السورية هي الكاشفة لمخططات إيران الطائفية، الفاضحة لدعاواهم بمناصرة المظلومين، تماما مثل سورة التوبة التي سميت بالكاشفة الفاضحة، لأنها كشفت أساليب وألاعيب النفاق في العهد النبوي.

[email protected]