«حقيقة» السيدة بن علي

TT

لم أكن أنوي قراءة كتاب «حقيقتي»، أو «روايتي للحقيقة» للسيدة بن علي. والحقيقة أن أسبابا كثيرة، أولها أنني بعكس قراءات الصيف الخفيفة، غارق في قراءة التاريخ والدراميات، بسبب المناخ العام الذي يطاردنا. وثانيا لمعرفتي المسبقة بأنه مهما كانت السيدة بن علي صادقة في الندم، فلا ضرورة للتبرير، والأولى بها أن تكتفي بالاعتذار وأن تعرض - مثل زوجها - إعادة أموال الدولة، وأن تنصرف إلى حياة عادية مثل سائر التونسيين.

اشتريت الكتاب لأنني في فرنسا، وكلما دخلت مكتبة طالعتني صورة السيدة ليلى بن علي. لا جديد عليكم أو علي، إلا قول السيدة إنها لم تكن حلاقة عندما تزوجها الرئيس. وكان قد تبنى هذه السيرة كثيرون، بينهم الداعي لكم بطول العمر، من دون أي سؤال أو تدقيق. ولكن ما العيب في المهن؟ الخيزران أم الرشيد، كانت جارية. تحاول أن تبرر زوجة الرئيس السابق نزوع إخوتها وأهلها إلى استغلال الواقع الجديد. مجموعة بسطاء أغراهم الجاه والمال ووصول ابنتهم إلى القصر الجمهوري. لكن الفقر لا يبرر السطو. وأن تصبح سيدة زوجة رئيس للجمهورية، فهذا لا يعطيها أي حق يفوق حق أي مواطنة أخرى.

ليلى طرابلسي لم تكن الوحيدة التي لكثرة ما أغراها الجاه أعماها الضعف. تدفع هي وزوجها الآن ثمنا لن يزول إلى الأبد. ثمن الجشع البشري الذي دفع زين العابدين بن علي إلى طلب الرئاسة مدى الحياة، وحسني مبارك إلى أن يسعى لجعل ابنه وريثا، لكي تسعد زوجته بالموقعين، «الأم الأولى» بعد «السيدة الأولى»، وجعل أسماء الأسد تحتفل باسمة مع أطفال سوريا، بينما المدافع ترمد أرض وبيوت أجدادها في حمص.

في «الربيع العربي» بدا أن زوجة الرئيس أسهمت في تقريب سقوطه وخلخلة صورته. وكل زوجة حملت معها إلى السلطة والنفوذ عائلتها. ولم يتصرف هؤلاء على أنهم أقرباء الزوجة، بل على أنهم شركاء الزوج في السلطة والمال. واعتبروا أنهم كانوا معه - ومعها - على لائحة الفوز، سواء كان الاقتراع حقيقيا أم عربيا.

ينتخب الرئيس العربي مرة فيريدها عشر مرات. ثم يطلبها «مدى الحياة» كما فعل بن علي، ويرى آخر في «مدى الحياة» تصغيرا له، فيطلبها إلى الأبد. أما الزوجات فيرين الأبد فترة قصيرة على مشاريعهن. تستدعي السيدة ليلى بن علي التفهم والعطف. لكنني لست تونسيا، واقرأ الكثير من كتب التاريخ والضعف - أو الفظاظة - البشرية. أما التونسي المعني مباشرة بحياته ورزقه وحريته، فلا يهمه ماذا تقول كتب التاريخ عن زوجات الرؤساء. نحن في لبنان كان عندنا رئيس يدعى فؤاد شهاب لم تظهر زوجته مرة واحدة في حفل عام. وعندما مات ترك لها تقاعده. ومع التضخم لم يعد التقاعد يكفي فصارت أرملة فؤاد شهاب تشتري من البقال على الدفتر. تلك كانت سيدة أولى.