هل تصدت أوروبا بدرجة كافية لأزمة اليورو؟

TT

على غرار الصوت الجهوري في إحدى أغنيات موسيقى البوب، تستمر منطقة اليورو في ضخ الأنباء السيئة، حتى مع انشغال العالم بمواضيع أخرى. وفي يوم الثلاثاء ما بين الساعة الثامنة صباحا والثالثة عصرا في بريطانيا، سمعنا أن وكالة التصنيف الائتماني «مودي» قد خفضت توقعها لوضع ألمانيا من «مستقر» إلى «سلبي»، وأنه كانت هناك «إشارات مرعبة بشأن وضع إيطاليا في أسواق السندات»، وكذلك أن عائدات السندات الإسبانية التي أجلها 10 سنوات قد ارتفعت مسجلة رقما قياسيا في حقبة اليورو، وأن منطقة اليورو بأسرها تعاني من أزمة في التصنيع. إلى جانب كل ذلك، فإن أسواق الأسهم الأوروبية لم تتعاف بعد من الانهيار الذي شهده اليوم السابق، والذي نتج في حد ذاته عن شائعات مفادها أن إسبانيا سوف تحتاج عما قريب إلى حزمة إنقاذ شاملة.

يأتي يوم آخر حاملا معه مجموعة أخرى من العناوين تتصدر الصحف حول الأزمة، غير أن هناك جانبا إيجابيا، فأخيرا، أجبر الأوروبيون على مواجهة عقود من السياسات المضللة في جوهرها. منذ سبعينات القرن العشرين، استمرت الحكومات واحدة تلو الأخرى في الإنفاق والاقتراض، وبعدها تعديل معدل التضخم للخروج من أزمة الدين اللاحقة، ثم ما لبثت أن تعافت من الأزمة، لتعود للإنفاق والاقتراض والتحكم في معدل التضخم مجددا. وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدائرة كانت الأكثر حدة من نوعها في دول بها أنظمة ديمقراطية أضعف. ولم تتخلص إسبانيا من نظام الحكم الديكتاتوري إلا بعد وفاة فرانكو في عام 1975، وكانت اليونان خاضعة لحكم مجلس عسكري في الفترة من عام 1967 إلى عام 1974، وتعاقبت في إيطاليا أكثر من 60 حكومة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقد حاول القادة المتعاقبون في جميع تلك الدول «شراء» أصوات الناخبين من خلال معاشات تقاعد ضخمة ووظائف في القطاع الحكومي وغير ذلك من الفوائد. وقد سهلت البنوك عبر القارة وبمختلف أنحاء العالم تلك المزايا بصورة تنم عن جشع.

الآن، لم يعد باستطاعتهم. على الرغم من أنه لم يلاحظ أحد هذا في ذلك الوقت، لكن الانضمام لمنطقة اليورو كان أشبه بتطبيق قاعدة الذهب، وعلى هذا أنه لم يعد بوسع حكوماتها مجددا التحكم في معدل تضخمها للخروج من المشكلات أو تمرير فاتورة النفقات الحالية إلى الجيل القادم، مثلما لا يزال بمقدورها في الولايات المتحدة وبريطانيا. طوال الوقت، كان وصف مشكلات منطقة اليورو بأنها «أزمة عملة» بمثابة خطأ. وفي واقع الأمر، تعتبر هذه أزمة سياسية، نتجت عن إدمان الاستدانة، وتتطلب حلا سياسيا. لقد أدرك جمهور الناخبين الحقيقة؛ أنهم مفلسون وأنه بصرف النظر عن ماهية القرارات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي الآن، فإن الانتعاش المستقبلي يعتمد على كم الحقائق البسيطة التي يمكن لعامة الناس تحمل استيعابها.

عندما كتبت قبل بضعة أسابيع، لم يكن من الواضح أن اليونانيين يفهمون موقفهم بحق.. فقد صوت نحو ثلثهم الشهر الماضي لحزب يعد، مجددا، بتوفير 100000 وظيفة حكومية من دون شرح من سيقوم بدفع أجرها. تعتبر موجة التذمر العام القومية من الألمان المستبدين الذين يرغبون في أن تقوم اليونان بخفض ميزانيتها بهدف البقاء في منطقة اليورو عرضا من أعراض الخداع، فمن يقرض اليونان، سواء ألمانيا أو غانا، سوف يطالب بدليل على تغير السلوك.

في الماضي، عادة ما لعب الساسة الإسبان لعبة إلقاء اللوم على طرف آخر أيضا. كان رئيس الوزراء الاشتراكي السابق، خوسيه زباتيرو، مولعا بشكل مبالغ فيه بنظريات المؤامرة عن أسواق السندات.

وعلى الرغم من أن خليفته المحافظ، ماريانو راخوي، تم انتخابه بأغلبية كبيرة وبتفويض بالقيام بتغييرات محورية، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان يتمتع بالإرادة أو بالدعم الشعبي للدفع بتلك التغييرات من عدمه. انتهت المظاهرات التي نظمها العاملون في القطاع العام الأسبوع الماضي في مدريد بأعمال شغب وإطلاق الرصاص المطاطي. يبدو رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، مصرا على إخبار المواطنين بالحقيقة، وفي خلال الأسابيع الستة الأولى من توليه منصبه في خريف عام 2011، قام بتمرير عدد من إجراءات الإصلاح يفوق ذلك العدد الذي قد شهدته إيطاليا خلال عقد. لكن منذ ذلك الحين، باتت الأمور أكثر صعوبة، ففي هذا الأسبوع، فرض مونتي قانون الطوارئ الإجباري في منطقة صقلية المفلسة.

يحدث الاضطراب السياسي بعد، لا قبل، فرض مجموعة من حزم الإنقاذ، الرئيسية والثانوية. وهذه الدول الثلاث، وبنوكها، قد حصلت بالفعل على تمويل يأتي في النهاية من ألمانيا، العضو الوحيد المتمتع بالملاءة في منطقة اليورو. وربما تحتاج إلى المزيد من المساعدات، لكن قبل ذلك، سيتعين على الساسة الألمان أن يخبروا الناخبين بالحقيقة أيضا، وهي أنه لم تحقق أي دولة مكاسب من عملة اليورو تفوق تلك التي حققتها ألمانيا، ولم تنتفع أي دولة أخرى من الأزمة الراهنة بدرجة تفوق انتفاع ألمانيا منها، الأمر الذي قد أبقى أسعار الفائدة على القروض الألمانية منخفضة نسبيا، ولا تملك أي بنوك أخرى في الدولة كما أكبر من ديون القارة. إن الألمان لا «ينقذون» جيرانهم انطلاقا من شهامتهم، مثلما يظن كثيرون، ولكن من منطلق المصلحة الشخصية. لكن هل يدرك عامة الشعب الألماني ذلك بحق؟ يعتبر شهر أغسطس (آب) هو شهر الأزمات المالية المعتاد، ربما نكون على أعتاب اكتشاف ذلك.

* مديرة الدراسات السياسية

بمعهد «ليغاتوم» الكائن في لندن، وتكتب عمودا نصف شهري بصحيفة «واشنطن بوست»، وعنوان بريدها الإلكتروني هو: [email protected].

* خدمة «واشنطن بوست»