حق التصويت

TT

من أفضال الغرب علينا حثنا على اتباع الحكم الديمقراطي. ومن أتعس مساوئهم فرض مستواهم الديمقراطي علينا. كل هذه التخبطات والإحباطات والفشل في اتباعنا للوصفة الديمقراطية يعود إلى تقليدنا الأعمى لهم. هكذا رحنا نحقق ما قاله معظم الفلاسفة؛ بأن الديمقراطية تؤدي إلى حكم الرعاع. ينتقدني القوم على دعوتي لحصر حق التصويت في المتعلمين. يعتبرونه خرقا لحقوق الإنسان، على اعتبار أن من حق الأميين أيضا أن يملوا على الدولة ما يخطر في بالهم. وهذا رأس البلاء في رأيي، ولا سيما عندما يشكل الأميون الأكثرية في البلد.

طالما رأينا أن نتبع سنن الغرب في الحكم، ونقتبس ديمقراطيتهم، فعلينا أولا أن نفهم كيف توصلوا إليها. وطالما تبهرنا الولايات المتحدة بازدهارها وثروتها وحضارتها، فعلينا أن ندرك أنها حصلت على كل ذلك عندما لم تعطِ حق التصويت للجميع، الذي أقرت به عام 1965 فقط، عندما أصدرت قانون حقوق التصويت. وكانوا حتى ذلك التاريخ يشترطون أن يكون الناخب قادرا على القراءة والكتابة.

نلاحظ ذلك أيضا في الدول الغربية الأخرى، وعلى رأسها بريطانيا، أم الديمقراطيات. فحتى عام 1800 لم يتمتع غير 3 في المائة من المواطنين الإنجليز بحق التصويت. كانوا يشترطون أن يكون الناخب مالكا لعقار يدفع عنه ضريبة ملك. وهذا يعني أن يكون متعلما. وعندما طالب العمال بحق التصويت، وتظاهروا مطالبين بذلك عام 1830، ضربوهم بالنار وقمعوهم. وبعد أن أبلوا بلاء حسنا في الحرب العظمى، اعترفت الدولة بفضلهم، فأصدرت عام 1918 قانون التصويت الشعبي، الذي أعطى حق التصويت لجميع الذكور بعد سن 21 عاما. ولم تنل المرأة الإنجليزية هذا الحق حتى عام 1928. ثم أصدر البرلمان عام 1969 قانون التصويت الشعبي، الذي خفض سن الناخب والناخبة إلى 18 عاما. ولم تنل المرأة السويسرية هذا الحق حتى عام 1947.

ما ينبغي علينا ملاحظته أن الغربيين عموما لم يقدموا على إعطاء حق التصويت للجميع، إلا بعد أن طبقوا التعليم الإلزامي على جميع الذكور والإناث حتى سن الـ16. لا يوجد في الدول الغربية أميون الآن، باستثناء أفراد قلائل جدا، ربما لا يتجاوز عددهم الواحد في المائة.

إعطاء هذا الحق الذي يتوقف عليه مصير الدولة لفطومة الفلاحة، أو عمشة بائعة اللبن، التي لم تبلغ العشرين عاما من سنها، ينطوي على منتهى الحمق. ولكن هذا ما يفرضه الغربيون علينا في إطار ذريعة حقوق الإنسان. ودون أن أخوض في مستنقع المؤامرات، يخطر لي أنهم يفرضونه علينا لأنه يبقينا متخلفين ويفرض علينا برلمانات وحكومات جاهلة يسهل لهم اللعب بها كما يشاءون.

هناك حاجة أساسية الآن للحصول على حكومات تختارها مجالس اختار أعضاءها مواطنون متعلمون وواعون. وإذا شاء المتشددون أن يتحدوا الدول الغربية بالعنف والقنابل، فمن الأرشد لهم ولنا أن نتحداها باختيار الديمقراطية المناسبة لنا، التي مكنت الغربيين في الأمس القريب من التقدم، وبالتالي السيطرة علينا. وما دمت قد خضت في المؤامرات، فيبدو لي أن ساستنا ومثقفينا لا يجرؤون على حصر حق التصويت في المتعلمين، لأنهم يريدون برلمانات تافهة ومعيبة يسهل عليهم اللعب بها.