ابتزاز إسرائيل

TT

هناك درجة من الجرأة تتخطى الوقاحة، وهناك درجة من الوقاحة لا يمكن تصنيفها، وهذا الوصف هو الذي يأتي على بالي وأنا أراقب بدهشة تملق مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية ميت رومني للمسؤولين الإسرائيليين وتوسله للحصول على أصوات الناخبين اليهود في الولايات المتحدة الأميركية.

فراح يصرح ويدلي بأقوال في مزايدة رخيصة، فمثلا قال: إن العقوبات الاقتصادية على إيران لم تفعل شيئا لوقف إنتاجها النووي، وقال: إنه لا بد من ردع عسكري، وقال أيضا إن الحق الأخلاقي والالتزام الأدبي هو الذي يجبر أميركا على الدفاع عن إسرائيل (ولم يذكر الأعمال التي تقوم بها إسرائيل بشكل يومي ينافي الأخلاق والأدب).

وقام بإجراء مقارنة بين التفوق الإنتاجي والاقتصادي لإسرائيل مقارنة بجيرانها الفلسطينيين، واستدل بذلك على قدرة الإسرائيليين الاستثنائية و«الفارق» الكبير بينهم وبين الفلسطينيين. (رغم وجود إيماءات وتلميحات عنصرية) فإن ميت رومني لم يذكر شيئا عن الأوضاع غير الإنسانية والمهينة والصعبة التي يعيش تحتها الفلسطينيون وتجعل من «الإنتاجية» والتألق الاقتصادي مسألة شبه مستحيلة، ناهيك عن مجرد العيش بآدمية وكرامة.

رومني زار إسرائيل وقال ما قاله وأضاف على ذلك «باعترافه» بأن القدس هي العاصمة الحقيقية لإسرائيل (وهو بذلك الأمر يقر بمسألة يخالفه فيها النظام الدولي الأممي الذي لا يزال يعتبر القدس مدينة محتلة من عام 1967 بعد العدوان الإسرائيلي عليها).

يزور المرشحون إسرائيل لكسب رضا زعمائها وتأكيد الدعم والولاء لها ولعلهم لا يزورون بعض الولايات في أميركا نفسها، وهي مسألة مذهلة جدا ولا يوجد تفسير منطقي لهذه العلاقة التي يستمر حكم الابتزاز فيها من قبل إسرائيل وحكوماتها لعقود من الزمن بشكل غير منطقي، ولا يزال الوضع هذا مستمرا لليوم وسط ظروف اقتصادية خانقة وغير مسبوقة تمر بها أميركا أجبرت الدولة هناك على سياسة تقشف غير مسبوقة، ولكن كل ذلك دون أن يتأثر الدعم الأميركي لإسرائيل أبدا، بل على العكس تماما فإن الدعم قد زاد، وخصوصا حينما قام الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتماد حزمة من المعونات غير المسبوقة لإسرائيل صبيحة زيارة غريمه ومنافسه ميت رومني لإسرائيل حتى «يحرق» وهج اللقاء والتصريحات التي ينوي عليها هناك.

المرشح الرئاسي للانتخابات الأميركية يدخل في «عرض» سياسي رخيص لأجل إرضاء الناخب اليهودي وإسرائيل، وإسرائيل طبعا تستغل ذلك الأمر لإفهام الناخب الأميركي أنها خط الدفاع الأول عن «القيم الديمقراطية الغربية» و«الإرث اليهودي – المسيحي» وهما شعاران باتا جزءا حيويا من الخط السياسي الترويجي لإسرائيل عن نفسها في أميركا، لأنها لا تستطيع اليوم أن «تبيع» نفسها كدولة مهددة ومظلومة، وهي تملك ترسانة نووية بها أكثر من 200 رأس نووي خارج المنظومة العالمية الرسمية، وتحتل أراضي لدول مجاورة لها، ويعيث طيرانها فسادا في سماوات الدول المجاورة لها دون رادع، وعليه لن يكون دور المهزوم والمهدد والضعيف مقنعا لأي أحد.

وكان على إسرائيل بالتالي إعادة اختراع دور جديد لها يداعب عواطف المواطن الأميركي البسيط والسياسي الأميركي الأبسط. ميت رومني رجل آلي على استعداد لفعل أي شيء لكسب أي صوت، وكل مواقفه متقلبة، والغاية عنده تبرر كل وسيلة، ولكن ومع كل هذا لا يوجد سبب وجيه يجعل أي عاقل يحتمل انبطاحه المخزي أما إسرائيل بهذا الشكل المقزز.

[email protected]