عودة القضاء المصري؟

TT

أول عمل قام به الرئيس المصري الجديد في دائرة القانون هو الإفراج عن معتقلي ثورة يناير. خطوة حسنة لأن العفو سماح في كل الأحوال. مشكلة الأمور القانونية التي تعرض لها السيد محمد مرسي حتى الآن، أنها «حزبية». سواء المطالبة بالإفراج عن الدكتور عمر عبد الرحمن في أميركا، أو العفو في مصر. والمؤكد أنه لم يتسنَ له حتى الآن النظر في القضايا الأخرى. في انتظار ذلك نأمل أن يرد الرئيس مرسي للقضاء المصري سمعته وهيبته، وأن يبعد عن مصر سمعة المخالفات الكبرى لحقوق الإنسان. وكانت الثورة الأولى، أي العسكر، قد طردت 8 آلاف قاض مصري محترم واعتدت بالضرب على العلامة السنهوري أبي الدستور المصري والدساتير العربية.

انتقل القضاء بعد ذلك إلى حياة الخوف من رجال الأمن. ونقلت مصر إلى العيش في ظل قانون الطوارئ على الطريقة العربية. وبعدما كان المصري إنسانا حالما صار مخلوقا خائفا يخشى أن يروي النكتة، وأحيانا أن يسمعها أو أن يضحك لها.

نأمل ألا يكون القضاء الجديد حزبيا بعدما كان أمنيا، بالمعنى العام، فلا يصح تجريد الكثير من أهل القانون من تقاليد مصر ونزاهتها.

لقد خبر محمد مرسي السجون وعرفها، وعرف كيف مرَّ بها الملكيون ثم الناصريون ثم الساداتيون ثم المباركيون. وفي الغالب كانت سجونا سياسية لا عدلية (من عدل لا من العادلي). كل عهد ينتقم ممن سبقه. وكل سجن يذل كبار القوم كما أذلوا من قبلهم. والبديل عن الكبريات الكبيرة والصغيرة هو حكم القانون. هذا الحكم يمنع المسؤول من الارتكاب وخلقه من الانتقام.

آملون أن يكون محمد مرسي قد جاء ليقيم المصالحة في مصر. ولكي يكون رئيس مائة في المائة من أهلها وليس 51 في المائة. وأن يدرك الإخوان بعد وصولهم أنهم بلغوا السلطة ولم يتملكوا مصائر الناس ولا عقولهم ولا طرقهم في الحياة. وسوف يظل الأمن والجيش هو الذي يطبق القانون وليس «الشباب»، كما حدث في العراق وسوريا. حتى الثورات لا تدوم مهما دامت ومهما استحكمت بشرايين البشر. ولعل الإخوان لن ينسوا ماذا فعل الناس في ليبيا والعراق وسوريا واليمن وتونس من أجل أن يستعيدوا كرامتهم البشرية كأفراد وليس كقطعان.

أول شيء على المحك هو سمعة مصر القانونية. حرية، أم استبدال سجن بآخر؟ عدالة، أم ثأر؟ قانون الدولة أم قانون الحزب؟ حقوق الإنسان أم حقوق السلطة. سوف يشعر العالم أجمع بالارتياح، وربما الأمل، إذا تفهم الإخوان معنى الفوز على أنه غير الانتصار. وأن يتركوا للدولة أن تكون هي الدولة. وأن يستدعوا محازبيهم من الشوارع، ويدعوا الشرطة للعودة إليها.