تلاقينا وتصادقنا وتحاببنا وتزوجنا

TT

الصدف تلعب أدوارا حاسمة في حياة الناس لا يمكن إنكارها، ولكي أدلل على ذلك إليكم ما حصل:

فقبل دخول شهر رمضان بأسبوع توقفت عند بائع فاكهة يعرض بضاعته في الشارع، وكانت غايتي أن أشتري كيلو ونصف من التين ثم أذهب في حال سبيلي، وبينما كنت أدفع الحساب، وإذا بأحد المعارف يتوقف بسيارته ليشتري مثلي، وما إن شاهدني حتى سلم علي وهو يقول: (رب صدفة خير من ميعاد)، وعرفت منه أنه ذاهب لاصطبل ومضمار خيل قريب، ليمارس هوايته التي يحرص عليها، ورجاني أن أرافقه إلى هناك حتى ولو لنصف ساعة.

فذهبنا وركب هو حصانه، عارضا علي أن أشاركه بالركوب، حاولت الاعتذار و(التملص) على أساس أنني بعيد عهد بالركوب، ولكن مع كثير من إلحاحه وافقت على شرط أن أركب (السيسي) وهو نوع من الخيول القزمة الصغيرة، وبعضهم يسمونها (البوني)، قائلا له: إذا سقطت من على ظهرها فالأرض على الأقل قريبة، فضحك هو ومن حوله على خوفي هذا غير المبرر قائلا لي: إن هناك فرسا هادئة ومطواعة وإنني أضمن لك أنك سوف تستمتع بركوبها، فشعرت بنوع من الاطمئنان ووافقته.

وأحضر الفرس وركبتها بكل هدوء، ولكي لا أخرج من (المولد بدون حمص) طلبت منهم أن يصوروني وأنا على صهوتها، وما إن بدأوا بتصويري حتى وجدتها (تعلق) أي ترفع يديها بالهواء عاليا، فاختل توازني من هول المفاجأة وسقطت عنها وكان ثقل جسمي كله على يدي اليمنى، وانطلقت الفرس تجري وحيدة، فيما هب الحضور أو المتفرجون على خيبتي يرفعونني من الأرض قائلين سلامات، وأراد أحدهم أن يعزيني ويشجعني عندما قال: (ما خيال إلا عقب طيحة)، فقلت بيني وبين نفسي: أي خيال وأي طيحة يا منافق؟!

أصبت برعب عندما شاهدت الأصبع الوسطى من يدي قد خرجت من محجرها وأصبحت (متشبصة) للأمام، ونقلوني للمستشفى وصوروني بالأشعة واتضح أن الأصبع سليمة من الكسر، غير أنها تحتاج لعملية، ورفضت ذلك مفضلا أن أتعايش مع مأساتي، والشيء الذي يضايقني أنني لا أستطيع الآن أن أصافح أحدا، فكيف أصافحه وأصبعي الوسطى ممتدة للأمام كالمخرز؟!، وكذلك أعاني من التحكم بالقلم، لهذا بدأت أتعلم الكتابة باليد اليسرى.

وأبرك من صدفتي التعيسة هذه إليكم ما تقوله: (ماري بيدجون): كان الشارع الثالث (بنيويورك) يكاد يكون خاليا عندما خرجت لشراء بعض المجلات، وذهلت عندما سمعت جرس التليفون الموجود في أحد الأكشاك العامة يدق بشدة وأنا أمر بجواره، ودفعني الفضول إلى رفع السماعة، وسمعت صوتا يسأل عما إذا كان هذا هو الشارع الثالث، وعندما أكدت له ذلك، وجه نظري إلى بعض أجهزة شركة الكهرباء الموجودة على مقربة من الكشك، وسألني عما إذا كنت أرى ضوء تحذير أصفر هناك، فقلت له إنه ليس مضاء، فاعترف أنه نسي إضاءته، ثم قال لي متوسلا: اسمعي يا عزيزتي، إنني الآن موجود بعيدا من ضاحية (برونكس)، فهل تقدمين لي معروفا وتضيئينه، لأنه لو لم يضأ سوف أنال عقابا.

كان الجهاز يبدو معقدا، ولكنني وافقت على أن أحاول، واتبعت تعليماته، وأحسست بارتياح عندما أدرت المفتاح، فأضاء النور وملأ وهجه الشارع، وصحت في التليفون: لقد أضاء، لقد أضاء.

وسمعته يتنهد شاكرا، وقبل أن أغلق الخط رجاني أن أقابله ليشكرني أكثر، ووافقته على موعد في الغد بنفس المكان ونفس الساعة، فتلاقينا وتصادقنا وأحببنا بعضنا بعضا، ثم تزوجنا، ولنا الآن (بنت وصبي).

[email protected]