أنقرة وورطة الشمالين

TT

مواجهة «فأين المفر؟» التركية السورية بدأت تقترب من نهايتها. أنقرة متمسكة بخيار إضعاف النظام وعزله للدخول مباشرة بناء على طلب ورغبة الحلفاء والشركاء وتماشيا مع حساباتها ومصالحها وتحاشيا لارتدادات الثورة السورية على الداخل التركي، ودمشق مصرة على المنازلة ولعب كل ما تملكه من أوراق وخيارات عسكرية وأمنية وعرقية لإفشال المشروع التركي الذي ترى فيه «رأس حربة» مخطط إسقاط النظام. أنقرة تتجنب الانزلاق إلى مستنقع التركيبات والتداخلات الدينية والاجتماعية السورية حتى لا تقع في مصيدة مشابهة داخل أراضيها والنظام السوري يجازف بكل أوراقه الإعلامية والأمنية والاستراتيجية لجذب حكومة أردوغان إلى دائرة الخطر التي يقترب هو منها يوما بعد آخر.

مناورة دمشق الأخيرة في شمال سوريا عبر «التفاهم» مع القيادات والأحزاب والتجمعات الكردية هناك على تسليمها مدن الكثافة السكانية الكردية المتاخمة للحدود التركية في منطقة تمتد إلى أكثر من 400 كلم أزعج أنقرة وأربكها وأقلقها.

هي خطوة تطيح بكل الجهود التي بذلتها حتى الآن على أكثر من جبهة لتجنب هذا السيناريو الأسوأ بين كل السيناريوهات التي كانت تستعد لها.

فهي التي شجعت على فكرة انتخاب عبد الباسط سيدا المعارض الكردي السوري ليترأس المجلس الوطني ويكون اختياره فرصة لدمج أكراد سوريا في مشروع الثورة المشتركة الموحدة، وهي التي غامرت بتبني سياسة الانفتاح على قيادات شمال العراق والتنسيق في موضوع مسار الثورة السورية ببعدها الكردي على الرغم من كل الأصوات الداخلية المعارضة والمنتقدة والمحذرة فأوكلت مهمة المساعدة في إقناع قيادات القامشلي إلى مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، على الرغم من معرفتها بصعوبة المهمة أمام تجربة حزب العمال الكردستاني التي لم توفر لها الكثير من الفرص، وهي التي رفضت كل عروض النظام السوري بتغيير مواقفها فورقة حزب العمال «السوري» لم تحترق وهي تنتظر تحت الرماد الذي أشعلته دمشق قبل سنوات مع حزب العمال التركي، وهي التي ستتحمل مسؤولية إطالة عمر المسألة الكردية في تركيا مفرطة بالكثير من الفرص والوعود وها هي اليوم تعيش كابوسا كان بمقدورها قطع الطريق عليه لو نجحت في حل قضية أكرادها الذين ينتقدون تهديدات أردوغان بالتحرك العسكري المباشر لمنع نشوء شمال عراق جديد على حدودها مع سوريا ويذكرونه أن المطلوب هو فتح القلوب وليس المزيد من الجبهات الحربية بين الأتراك والأكراد.

أسئلة واستفسارات كثيرة تنتظر العدالة والتنمية ولا إجابات دقيقة وواضحة حولها حتى الآن: هل كان هناك تفاهم بين تركيا وأربيل على استيعاب مسار العملية السياسية في الشمال السوري نجح أنصار العمال الكردستاني في قطع الطريق عليه في اللحظة الأخيرة؟ من الذي يقف وراء نجاح أكراد شمال سوريا في بسط نفوذهم على مناطق استراتيجية مجاورة لتركيا بأسلوب سلمي بينما أصوات الطائرات والدبابات والمدافع التي يطلقها النظام ضد ثوار حلب تكاد تصل إلى مسامعهم في محاولة لسحق الإرهابيين والمتآمرين والخونة كما تقول دمشق؟ هل ستعبر تركيا الحدود لإنزال صور أوجلان وإعلام الكردستاني المرفوعة في شوارع القامشلي وقبول المغامرة بدخول مستنقع متحرك جديد بعدما لم تصل إلى نتيجة مرضية حتى الساعة يقوم بها الوسطاء والحلفاء؟ كيف سيتعامل الحلفاء مع خطوة بهذا الاتجاه وهم الذين يطالبون بتحرك تركي لنجدتهم فسيجدون أنفسهم أمام قوات تركية تتدخل لإنقاذ مصالحها وحساباتها؟ ما هي التوقعات المحتملة حول ردود فعل أكراد تركيا حيال تحرك عسكري من هذا النوع يهدف إلى منع توزيع طابوهات ومستندات استملاك جديدة كما يقول أردوغان؟

«تطابق» وجهات النظر بين دمشق وطهران التي أشار إليها المعلم على مرأى ومسمع الصالحي الذي طالب مجددا بإعطاء النظام السوري المزيد من الوقت لإنجاز المهمة التي بدأها يعني بشكل أو بآخر أن خيارات تركيا ستتقلص وأن مأزق الشمالين قد يتحول إلى ورطة أكبر بالتحاق الجنوب به. سيناريوهات كثيرة تتطاير في الأجواء التركية ربما هي تسبق تحليق الطائرات هذه المرة وهو السيناريو الذي خطط وأعد له البعض بصبر وعناية دخول عسكري تركي مباشر إلى سوريا دون انتظار الإجماع الدولي لخلط كل الأوراق وقطع الطريق على محاولات إطالة عمر النظام الذي يقود وحلفاؤه حربا شبه مفتوحة على الجبهة التركية.