تأملات في مغزى الصيام

TT

فكرة الصوم الأساسية ترتكز على حقيقة أن كل إنسان يستطيع أن يغير سلوكه نحو الأفضل. ولذا تجد أن هذه العبادة ليست مرتبطة بالمسلمين فقط، حيث قال تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». لاحظ أن «التقوى» في هذه الآية هي الهدف من الصيام، ولا يظفر المرء بهذا الهدف إلا بتغيير سلوكه إيجابا والتخلص من عاداته السلبية التي تحول دون بلوغه هذا الهدف السامي.

كما أن فريضة الصيام دليل آخر على أن خالق البشرية عز وجل عادل، فهو يأمر من خلقهم بشيء يستطيعون فعله، وإن كان تغيير السلوك يحتاج إلى شيء من الصبر والتحدي. وهذه هي طبيعة الدروب التي يسلكها المميزون في كل زمان ومكان، لا بد أن تكون صعبة وشاقة، وإلا لتربع على القمة «كل من هب ودب» كما يقال، حتى لا نكاد نجد تمايزا بين الناس.

والمتأمل لشهر رمضان، يلاحظ أن هناك رابطا بين الصيام عن المفطرات لمدة 30 يوما، والقاعدة التربوية في تغيير السلوك التي تشير إلى أن المرء إذا ما «أراد أن يستبدل بعاداته أو سلوكياته السلبية أخرى إيجابية فعليه أن يواظب على السلوك المرغوب اكتسابه لمدة 21 يوما متواصلة حتى يكتسبها»، بحسب أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الكويت الدكتور إبراهيم الخليفي. وهذا يذكرنا بالعبارة الإنجليزية الشهيرة «Fake it till you make it» أي «تصنّعها حتى تتقنها». وهي أيضا مصداق للحديث النبوي الشهير في تغيير السلوكيات وهو «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم». أي أن المرء كلما واظب على سلوك معين لمدة من الزمن حتى ولو كان تصنعا منه فسوف يصبح مع مرور الوقت سلوكا ثم طبعا متأصلا فيه، حتى ولو كانت أصعب مسألة وهي الحلم عند الغضب. ولذا قيل راقب كلماتك لأنها ستصبح أفكارا، وراقب أفكارك لأنها ستصبح، أفعالا، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعا.

والسؤال الذي يطرح نفسه إذا مر شهر الصوم أو التغيير ولم يتخلص المرء من سلوك سلبي واحد على الأقل فمتى يبدأ الإنسان بمهمة تغيير نفسه؟

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]