العلاج من سقراط

TT

طلبت عن طريق صديق محام أن تراني لأمر مستعجل. سألت الصديق المشترك: ماذا في الأمر؟ قال في اختصار: أعطها موعدا، فهي في حاجة إليك. جاءت ومعها شقيقتها الأكبر منها. سألتها ضاحكا: هل أستطيع حل مشكلة لم يستطع حلها محام؟ قالت: هذه مشكلة أدبية لا قانونية، وربما أجد الحل عندك.

قالت: خطبني من أهلي شاب ساحر. مثقف وأنيق وكريم. كلما ازددت معرفة به ازددت حبا. لكنني أخشى من المستقبل. فقد نصطدم ذات يوم.

- ولماذا يمكن أن تصطدم زوجة رجل كريم وساحر ومثقف؟

قالت: لأنه كاتب.

قلت: معظم الكتاب الذين عرفتهم لم يصطدموا بزوجاتهم مع أنهم ليسوا ساحرين ولا كرماء، وخصوصا غير مثقفين.

- دعني أكمل لك، إنه رجل مأخوذ بكتاباته إلى درجة غير مقبولة.

قلت: أعطه الوقت، فعندما يرزق بأطفال سوف ينسى أفلاطون. قالت: لقد سميت المشكلة باسمها.. أفلاطون.

- الرجل يكتب فقط في الفلسفة وأنا لا أفهم ما يكتب. يقول لي إنه سوف يصبح سقراط العصر. وقد كتب في سيرة سقراط أنه انتحر. كيف يكون المرء فيلسوفا كبيرا وينتحر في سبيل الحقيقة؟ ألا يدري، إذا كان فيلسوفا حقا، أن لا حقائق في هذه الدنيا؟

قلت: هل المشكلة في سقراط أم في الخطيب؟ إذا كانت الشكوى من سقراط فالمسألة هينة. ضعي شرطا واضحا؛ إما أنا وإما هو. قالت: إنك تمزح في موضوع جدي. الدكتوراه التي يحملها عن سقراط والمادة التي يدرسها سقراط. والمؤتمرات التي يحضرها عن الفلسفة الإغريقية الأولى. إذا طرد سقراط من حياته فماذا يبقى له؟

قلت: اقسمي بينك وبينه منذ البداية. قولي له لا تقحمني بسقراط ولا أشغلك بعيار الملح في اللوبيا بالزيت.. وأبق السيد سقراط معك في الجامعة وفي المؤتمرات وفي المقاهي، أما هنا فلنعش في حضورك الجميل. اطلب مني التضحية التي تريد لكن لا تطلب أن أقرأ كتاباتك عن سقراط. فأنا لا أفهمها ولا تعني لي شيئا.

قلت: وأنت أي مادة تدرسين؟ قالت: أنا أدرس الجبر والفيزياء! قلت: ويعصى عليك فهم سقراط. قالت في شيء من البكاء: لا.. يعصى علي فهم أسلوب زوجي المقبل. يريد رأيي في كل سطر يكتبه وأنا أكذب عليه. أتظاهر أنني فهمت وأمتدح ما كتب.. لكنني أشعر بداخلي بحموضة في الأمعاء. ما هذا الحظ السيئ. أكثر شباب البلد وسامة ومعه «ثقالة دم سقراط».

قلت: هذه مسألة مستعصية. كما أنني لا أعرف كيف وبماذا يمكن أن أفيدك؟ قالت: تدلني على أستاذ يبسط لي سقراط ويخفف من «ثقالة دمه» ويسهل علي أمر معيشتي مع الشريك المقبل. أعطيتها اسم أستاذ أعرفه من زمان وطلبت أن تطلعني على ما يحدث. بعد شهر اتصلت شاكرة: من يعرف صاحبك يخف أمامه حتى دم سقراط. شعرت بارتياح النجاح.