أكذوبة التمثيل المشرف!

TT

فرحت مصر فرحة كبرى بفوز أحد شبابها من لاعبي المبارزة بالسلاح بالميدالية الفضية في أولمبياد لندن. وتأتي هذه الميدالية بمثابة تحقيق لحلم مصري منذ مائة عام بالضبط. والذي تابع ردود الفعل الشعبية والإعلامية في مصر على الفوز بميدالية فضية يشعر وكأنه ذات الشعور الوطني بالسعادة للشعب الأميركي عند هبوط أول رائد فضاء أميركي على سطح القمر في الستينات.

وفرحة الفوز المصري بالميدالية الفضية تأتي في الوقت الذي تحقق فيه فرق من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة وبريطانيا ذهبيات وفضيات في ألعاب مختلفة. ولكن كما يقولون في المثل الشعبي المصري «الكعكة في يد اليتيم عجبة»، والمثل الشعبي كناية عن الفرحة أو الحسد لمن هو محروم من أي شيء.

نحن بؤساء كعرب في إنجازاتنا إلى الحد الذي نفرح فيه بأي إنجاز، ويؤثر فينا أي نجاح. أزمتنا الكبرى أن سقف الأحلام عندنا منخفض تماما، نرضى بأي شيء، ونرى في الإخفاقات نوعا من الحكمة أو الاختبارات، بينما الحقيقة أننا نفشل لأننا دون المستوى العالمي للنجاح! بضاعتنا لا تباع في العالم لأنها أدنى في المستوى.. أفكارنا لا تنشر في العالم لأنها متخلفة عن أحدث النظريات العلمية.. لا نفوز في مهرجانات السينما الدولية لأن صناعة الفن السينمائي عندنا ضعيفة.. لا نحصد الذهب في البطولات العالمية لأن بناء النظام الرياضي في مدارسنا شبه معدوم.

نحن لسنا على قائمة أهم الجامعات العالمية لأن العرب هم الأقل إنفاقا في العالم على البحث العلمي، بينما تنفق إسرائيل - وحدها سنويا - عشرة أضعاف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي والباحثين العرب! وحدهم العرب هم الذين اخترعوا في الرياضة وهما اسمه «التمثيل المشرف»، وهو مصطلح أدبي اخترعناه لتعزية النفس عند فشلنا في مباراة رياضية لوصف الخسارة! ودائما تجد المعلقين الرياضيين والنقاد العرب يقولون في تعليقاتهم «إذا كنا لم نفز بالمباراة فيكفينا التمثيل المشرف».

هذا المنطق وهذه العبارة غير موجودين إطلاقا في القاموس ولا أسلوب الحياة الأميركية مثلا التي لا تعرف إلا «ثقافة التنافسية» التي لا يعترف فيها إلا بالفائز. حضارة صناعية قامت بأكملها على فكرة التنافسية وتعظيم قدر المنتصر والفائز والحائز للرقم واحد. الأوائل وحدهم يحصلون على المجد والفخار والتكريم، لا مجال لأنصاف وأرباع الموهوبين.

المنطق الوحيد الذي يحكم على الإنجازات في الحضارة الغربية هو أنك فائز أو مهزوم، ناجح أو فاشل، رقم واحد أو لا شيء. قصة التمثيل المشرف، وتعزية النفس بأي إنجاز يتيم أو فردي جاءت بسبب تفوق الفرد وليس لنجاح منظومة متكاملة للنجاح، فهي أمور غير واردة في قاموس الدول المتقدمة. أما منطق «لقد أدى فريقنا كل ما عليه ولكن لم يحالفه التوفيق» فإن هذه هي أوهام وأعذار الفاشلين.

ومبروك لمصر على الميدالية الفضية.