الحل في سوريا إما باتفاق أميركي ـ روسي أو بانقلاب علوي!

TT

في المسألة السورية، الموقف الروسي هو الأهم، إذا شعر الروس بأن النظام سينهار «يبيعونه»، هم يرونه حتى الآن لا يزال واقفا على رجليه. إنه يترنح، لكنه لم يسقط.

هذا ما قاله لي مرجع أميركي، كان عائدا لتوه من لبنان: «الكل في لبنان يتحدث عن سوريا، لكن لا أحد يعرف ماذا يجري بالتحديد هناك». ويعود إلى روسيا؛ حيث سوريا هي آخر حليف لها في المنطقة. إنها سوق مهمة لسلاحها، ثم إن الروس لا يريدون لأسلحتهم والتكنولوجيا أن تسقط في أيدي الثوار والجهاديين - والسلاح لدى الجهاديين يتنقل، وللروس جهاديوهم في الشيشان وداغستان ودول أخرى - ويقول: «إن المؤشر الحقيقي على أن النظام السوري على وشك الانهيار، إذا ما بدأ الروس بسحب مستشاريهم العسكريين». ويضيف: «يدرك الأميركيون أن ما حصل في ليبيا هو السبب، قلنا للروس نريد حماية المدنيين، فاقتلعنا النظام»، رد الروس: «نحن لسنا بجمهورية موز، لنا مصالح في العالم وعليكم التشاور معنا».

لكن ماذا بالنسبة إلى الإدارة الأميركية؟ يقول محدثي إن الإدارة أبلغت الدول العربية «الممولة» للثورة السورية بعدم تمويل المتطرفين. «لا نريد تكرار تجربة أفغانستان؛ هناك كانت الأموال تُعطى لبرويز مشرف والاستخبارات الباكستانية، وهؤلاء بدورهم يعطون قسما منها لحلفائهم الأفغان، أي: طالبان».

ويحدد ما يريده الرئيس باراك أوباما: «قال أوباما لمسؤولي وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وأجهزة أخرى، إنه يريد إسقاط النظام في سوريا من دون إسقاط الدولة (في لبنان مثلا، سقطت الدولة وبقي النظام). أوباما لا يريد أن تتأثر المؤسسات الأمنية أو المؤسسة العسكرية. هو يرفض تكرار تجربة العراق، لكن إسقاط النظام من دون إسقاط الدولة أمر صعب، وهذه هي الدوامة التي تتخبط فيها الأجهزة».

قد يكون هذا الطلب ذريعة لعدم التدخل الفعلي، فالانتخابات الرئاسية الأميركية لا تسمح لأوباما بالتدخل، والمؤسسة العسكرية، وبالذات رئاسة الأركان التي تعقد اجتماعات مستمرة مع القادة العسكريين الذين شاركوا في حربي أفغانستان والعراق، لا تريد حربا جديدة، وهي تطالب بالتريث.

ويتذكر أوباما «نصيحة» روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي قال قبل أن يغادر الوزارة: إن أي رئيس أميركي يفكر في إرسال قوات أميركية إلى دولة أجنبية، يجب فحص رأسه. ثم إن أوباما وصل إلى الرئاسة لأنه عارض الحرب على العراق! وإن كانت غارات طائرات «الدرونز» على عهده فاقت بأضعاف عدد غارات سلفه جورج دبليو بوش.

في نظر الجيش الأميركي، سوريا ليست ليبيا، «فيها جيش متماسك». يقول محدثي: لنفترض أن الأميركيين قصفوا دمشق، لدى السوريين مراكز عسكرية وأمنية منتشرة في كل مكان في كل المدن. قال الجيش الأميركي لأوباما: إذا تدخلنا، سندخل في حرب، وبالتالي سيسقط كثير من المدنيين. يوضح: هناك تعاون استخباراتي قوي، أميركي، فرنسي، بريطاني، شرق أوسطي حيث يجري تدريب مجموعات في الخارج ومن ثم إرسالها إلى الداخل مع أسلحة لتدريب الذين يقاتلون من الداخل.. «الطريقة المتبعة حتى الآن الضغط على النظام عن طريق الأردن وتركيا ولبنان وعن طريق التمويل والتسليح والمقاطعة، علّ ذلك يضعف المؤسسة العسكرية»، إضعافها وليس القضاء عليها.

كشف محدثي أن الكل «يصلّي» لو أن النظام تفجر من الداخل، ورأى أن عملية دمشق كانت مدبرة من الداخل، بمعنى أن هناك «اختراقا»، ويؤكد أن التعاون الاستخباراتي بين سوريا من جهة والولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة أخرى قائم منذ زمن الرئيس حافظ الأسد.

ويشير إلى أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتأزم علاقاتها مع روسيا بسبب سوريا، لأن هذا الأمر يترك الروس يتساهلون مع إيران «من هنا فإن التدخل العسكري الأميركي المباشر صعب». ثم إن واشنطن تريد أن تخفف من قلق الدول الخليجية وهواجسها، فهذه الدول متخوفة من احتمال إقدام أميركا على الاتفاق لاحقا مع إيران على حسابها. ثم إن سمعة أميركا بأنها تتخلى عن حلفائها بسرعة، أفقدتها مصداقيتها مقارنة بتمسك روسيا بحلفائها حتى ولو كانوا على خطأ.

وعند الاستيضاح منه حول ما يتردد من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط لقصف إيران في هذا الشهر، أغسطس (آب)، استبعد ذلك. ويشرح أن حلفاء إيران في المنطقة هم: سوريا والعراق وحزب الله، وكما يعرف الجميع؛ إذا تغير النظام في سوريا تضعف إيران.. «لكن تغيير النظام في سوريا قد ينتج حالة مثل ليبيا، أيضا يمكن أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى احتمال نشوب معركة بين السنة من جهة والشيعة والعلويين من جهة أخرى بمساعدة إيران. لذلك تستمر واشنطن بتحذير كل الأطراف المشاركة في الثورة السورية، مطالبة إياها بحماية الأقليات من دروز ومسيحيين وإسماعيليين، كي لا تتكرر تجربة العراق، لأن الذبح على الهوية في سوريا سيأتي بحزب الله إلى هناك.

يتساءل محدثي عن احتمال أن يتوصل الأميركيون والروس إلى «اتفاق طائف» سوري؟ الروس يريدون تكرار تجربة اليمن؛ حكومة ائتلاف نصفها من المعارضة ونصفها من النظام، كما أن المؤسسة العسكرية في اليمن لا تزال بين أيدي الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح. «الروس مصرون على اتفاق بين المعارضة والنظام، وهم أبلغوا الأميركيين بأنهم يدركون أن الوضع السابق في سوريا لن يتكرر، كأن يحكم الأسد بطريقة مطلقة الصلاحيات وسيطرة كاملة على البلاد. انتهى ذلك الزمن». من جهة أخرى، يميل الأميركيون والفرنسيون وبعض الدول العربية إلى محاولة إقناع مجموعة من الضباط العلويين بأن امتيازاتهم ستبقى لاستمالتهم من أجل إضعاف الأسد، يقول محدثي: «هناك اتصالات لإبراز شخصيات علوية في المؤسسة العسكرية والأمنية، ولطمأنتهم بأن دورهم لن يُهمش وأن مصير الطائفة العلوية بين أيديهم، وليس بين أيدي مجموعة الأسد». لا يعرف ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح، إنما ستبقى هناك محاولات لإقناع العلويين بأن لهم حصة في النظام الجديد «والروس ليسوا في النهاية ضد هذه الفكرة».

ولدى سؤالي عن الأسلحة الكيماوية، اعتبر أن الاعتراف السوري تهديد لأي تدخل أميركي أو إسرائيلي.. «أرادت سوريا أن تقول إنها ستوزع السلاح كما حصل عندما دخلتم العراق، وأي سلاح!». وقال: أكدت سوريا أن هذه الأسلحة بيد الجيش، لكننا لا نعرف ما إذا كان (حزب الله) يعرف مكان هذه الأسلحة. النظام السوري لن يحافظ على هذه الأسلحة في أزمته، ويقول لنا: تفضلوا خذوها. لهذا نحتاج إلى روسيا، الوضع معقد والإدارة لا تريد أن تصبح سوريا مشكلتها الآن».

ثم يروي محدثي، كيف أن زبغنيو بريجنسكي، مسؤول الأمن القومي السابق، أبلغ البيت الأبيض مؤخرا، بأنه «إذا قمنا بضربة عسكرية ضد سوريا، فلننس أي اتفاق مع إيران حول النووي».

على كل، حتى موعد الانتخابات الأميركية، لن يحصل شيء في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، فإيران ترفض التوصل إلى اتفاق مع أوباما؛ إذ ما الفائدة إذا خسر؟! وأوباما لا يريد توقيع أي اتفاق مع إيران قبل الانتخابات، فالاتفاق يعني رفع العقوبات وهذا يحتاج إلى الكونغرس، ثم إن إيران تريد رفع عقوبات يعود تاريخها إلى عام 1979.

يقول محدثي: «إذا أعيد انتخاب أوباما، فيمكن أن يعطي الإيرانيين أكثر مما هو على استعداد لإعطائه اليوم، هذا إذا لم تقصف إسرائيل إيران، ولم تؤد الأوضاع في سوريا إلى حرب إقليمية».

وماذا عن القضية الفلسطينية؛ هل ما زال أوباما يتذكرها؟ يقول محدثي: إذا أعيد انتخابه فقد يعين الرئيس السابق بيل كلينتون مبعوثا خاصا للشرق الأوسط!