أيام مريرة في بورما

TT

أخيرا، خرج شخص في منصب رسمي ليقول شيئا، حيث دعت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، إلى إجراء تحقيق مستقل في الأنباء التي تتردد عن قيام قوات الأمن البورمية بالاستهداف الممنهج لشعب الروهنغيا، وهي جماعة أقلية مسلمة تعيش في ولاية أراكان. وذكرت الحكومة البورمية نفسها أن 78 من الروهانغ على الأقل قد قتلوا، في حين يقول زعماء جماعتهم إن عدد القتلى يصل إلى 650 شخصا.

ولا يجادل أحد في أن نحو 100 ألف من الروهانغ (من إجمالي عدد السكان البالغ 800 ألف) أصبحوا لاجئين داخليين في بورما، في حين فر الآخرون عبر الحدود إلى بنغلاديش. وكما تتوقعون، فقد أعلن الرهبان البوذيون في بورما عن موقفهم، ولكنهم هذه المرة يقفون في الجانب الخطأ.

فالرهبان البوذيون يقفون خارج مخيمات اللاجئين في ولاية أراكان، لإبعاد من يحاولون إحضار الغذاء والمساعدات الأخرى إلى الروهانغ، كما قامت اثنتان من المنظمات البوذية المهمة في الولاية، وهما «رابطة سيتوي للرهبان الشباب» و«رابطة رهبان مراكو يو»، بحث الأهالي على عدم إقامة أي معاملات معهم، وذكر كتيب يوزعه الرهبان أن الروهانغ «متوحشون بطبيعتهم».

كما امتنعت أونغ سانغ سوكي، وهي المرأة التي قضت عقدين تحت الإقامة الجبرية بسبب تحديها الجنرالات (والمرأة التي قد تصبح يوما ما أول رئيسة وزراء منتخبة في انتخابات ديمقراطية في بورما) هي الأخرى عن تقديم أي دعم أو عون للروهانغ. وقد سألها صحافي أجنبي مؤخرا عما إذا كانت تعتبر الروهانغ مواطنين بورميين أم لا، فأجابت إجابة مراوغة: «لا أعلم. علينا أن نكون واضحين للغاية بشأن ما تنص عليه قوانين المواطنة ومن هم المستحقون لها».

ولو كانت صادقة، لأجابت: «بالطبع الروهانغ مواطنون، لكنني لا أجرؤ على قول ذلك. العسكر يتنازلون عن السلطة أخيرا، وأنا أريد أن أفوز في انتخابات عام 2015. لن أفوز بأي أصوات من خلال الدفاع عن حقوق المسلمين البورميين».

ولم يكن نيلسون مانديلا، الذي كثيرا ما يتم تشبيهها به، ليقول شيئا كهذا، لكنها سقطة في الشجاعة من جانبها ليس لها أي علاقة بدينها، فالمعتقد الديني والسلوك الأخلاقي ليسا متلازمين بالضرورة، وغالبا ما تتغلب عليهما القومية. إذن لنتوقف عن الاندهاش من الأعمال الشائنة التي يفعلها البوذيون، ولنلق نظرة على ما يجري بالفعل في بورما.

لقد استقر أجداد الروهانغ في ولاية أراكان في ما بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر، قبل وقت طويل من وصول الموجة الرئيسية من المهاجرين الهنود إلى بورما بعد غزو الإمبراطورية البريطانية لها في القرن التاسع عشر. وبحلول ثلاثينات القرن العشرين، كان المهاجرون الهنود الجدد قد صاروا الأكثرية في معظم المدن البورمية الكبرى، كما سادوا القطاع التجاري من الاقتصاد، وكان سخط البورميين، بطبيعة الحال، شديدا.

ودفع الغزو الياباني لبورما أثناء الحرب العالمية الثانية معظم هؤلاء المهاجرين الهنود إلى الرحيل، إلا أن البورميين ظلوا يشعرون بالخوف والكراهية تجاه وجود «أجانب» يعيشون وسطهم. ثم تحول هذا الشعور ناحية الروهانغ، فالسبب الرئيسي لاستهدافهم هو أنه ينظر إليهم على أنهم «أجانب»، غير أن كونهم مسلمين داخل بلد يغلب عليه البوذيون ساهم في زيادة النفور منهم.

ويتكون شعب الروهانغ المقيم في ولاية أراكان من مزارعين فقراء، تماما مثل جيرانهم البوذيين، ولم يكن حقهم في المواطنة البورمية محل شك حتى استولى الجيش البورمي على السلطة عام 1962، فهاجم الروهانغ ودفع ما يزيد على 200 ألف منهم إلى عبور الحدود إلى بنغلاديش عام 1978، في حملة شهدت عاصفة هوجاء من القتل والاغتصاب الجماعي وتدمير المساجد.

وقام الديكتاتور العسكري الحالي، ني وين، بسحب المواطنة من جميع أبناء الروهانغ عام 1982، كما صدرت قوانين جديدة تمنعهم من السفر من دون تصريح رسمي، وتحظر عليهم تملك الأراضي، وتلزم المتزوجين حديثا منهم بالتوقيع على إقرار بعدم إنجاب أكثر من طفلين. ثم دفعت حملة عسكرية أخرى ربع مليون إضافيا من الروهانغ إلى الهرب إلى بنغلاديش خلال الفترة من 1990 إلى 1991، ثم أخيرا ما نراه الآن.

ويوم الأحد الماضي، رد الجنرال السابق ثين سين، الرئيس الانتقالي لبورما، على المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، قائلا: «سوف نتحمل المسؤولية عن عرقنا، ولكن من المستحيل قبول الروهانغ الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية ولا ينتمون إلى عرقنا»، وأشار إلى أن أي بلد آخر يجب أن يأخذهم جميعا.

لكن الروهانغ لم «يدخلوا البلاد بطريقة غير شرعية»، كما أن هناك 12 «عرقا» في بورما، وما يحرك هذه السياسة هو الخوف والطمع والجهل الذي يستغله الساسة، كالعادة، للترويج للعواطف القومية والتحيز الديني. واتضح أن كونهم بوذيين لم يمنعهم من السقوط في كل هذا؛ ويا لها من مفاجأة!

* صحافي مستقل مقيم في لندن

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية