هل بارزاني شريك موثوق لتركيا؟

TT

صديق لي يعمل ميكانيكيا ويستعد لتأسيس عمل تجاري في شمال العراق. وكداعم لحزب الحركة القومية، أدى خدمته العسكرية ضمن القوات الخاصة في جنوب شرقي تركيا، لم تظهر حواراتي معه أنه يحمل أفكارا ليبرالية تجاه القضايا الكردية. وقال لي عقب زيارته الأولى لشمال العراق: «إنهم حقا يحبوننا»، وكانت عيناه تلمعان باحتمالات تجارة مربحة.

كانت أهم إنجازات الحكومة التركية تلك التي شهدتها جبهة شمال العراق، نتيجة ازدهار العلاقات مع حكومة إقليم كردستان في المجالات الاقتصادية والسياسية على حد سواء، إلى حد أن العلاقات بين تركيا ومسعود بارزاني لم تكن أفضل في أي وقت مضى مما هي عليه الآن. وإلا كيف نفسر قرار الحكومة الأخير بشراء النفط مباشرة من شمال العراق على الرغم من اعتراض حكومة العراق المركزية، وعلى حساب إلغاء خطها الأحمر؟ والخط الأحمر يتمثل في منع الأكراد العراقيين من تجاوز الحكومة المركزية والسيطرة بشكل أحادي على موارد الطاقة في الإقليم مما يجعلها أقرب إلى الاستقلال.

قد تحقق الحكومة وراء ذلك هدفين؛ الأول أنها ترغب في تحدي الحكومة المركزية في بغداد، التي تبدي أنقرة قلقا حقيقيا حيال سياساتها. الثاني رغبتها في زيادة الاعتماد المتبادل بين تركيا وحكومة إقليم كردستان، إضافة إلى الاستمرار في علاقاتها مع بارزاني أملا في الحصول على دعمه في سياساتها ضد حزب العمال الكردستاني.

مواصلة ارتباطها ببارزاني عبر التخلي بشكل مؤقت عن استغلال واحد من أهم الأوراق الرابحة - وتحديدا التحكم بمفتاح وصول موارد الطاقة في إقليم كردستان إلى الأسواق الدولية - ينبغي أن يحظى بنوع من الثقة لدى بارزاني، إضافة إلى التحليل السليم لما يرغب فيه بارزاني، ولسياساته ولمكانة تركيا في هذه السياسات. وحتى بداية الاضطرابات في سوريا كان كل شيء يشير إلى أن تركيا تختار الثقة في بارزاني.

بيد أن بارزاني أدهش تركيا عندما انضم إلى الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الحزب الذي تعتقد أنقرة أنه على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني. فقد كان على بارزاني أن يخبر أنقرة بشكل لائق بشأن تحركاته في سوريا.

كل من يعارض وجهة النظر هذه، عليه إذن أن يعترف ويقنعنا بأن بارزاني وصل إلى درجة من الثقة بالذات، جعلته يرى نفسه من القوة بحيث يتحدى تركيا، في وقت يواجه فيه أزمات مع الحكومة المركزية العراقية، التي أدى قرارها بإرسال جنود إلى مناطق شمال العراق إلى مزيد من الغضب لدى القيادة الكردية.

غير أن ذلك لا يبدو منطقيا، فبارزاني معروف بأنه سياسي يتمتع بالعقلانية، ولا بد أنه اتخذ قراره بأن يظهر لتركيا أنه لا يزال لاعبا مهما في المنطقة وأنه صاحب رأي في ما يتعلق بالبعد الكردي للتطورات الإقليمية.

مهما كانت مبررات بارزاني، فلكي تبدأ تركيا في شيطنته بالقفز إلى النتائج التي تقودها العواطف والتحامل، عوضا عن التحليل الدقيق، سيكون ذلك خطأ ترتكبه الدوائر الحكومية، فهناك كثير من الحالات التي خذلت فيها أنقرة أقرب حلفائها.

هذه الحادثة الأخيرة تبين أنه لا يزال هناك عجز كبير في الثقة بين أنقرة وبارزاني، وأن كلا الجانبين بحاجة إلى التعلم من الدروس والعمل وفقا لذلك إذا ما قررا مواصلة التعاون المشترك.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية