المؤامرة «الكونية»

TT

بالأمس كانت الديكتاتوريات العربية تحارب العدو الخارجي وتخسر المعركة والأرض معا... ثم تهلل فرحا بأنها حققت نصرا مبينا بمحافظتها على «النظام» في بلدها وبحمايته من مؤامرات الإمبرياليين.

أولوية «النظام» السياسي على ما عداه من اعتبارات قومية كان، ولا يزال، هاجس الطارئين على الحكم في عواصم الديكتاتوريات العربية إلى حد تحويله إلى آيديولوجية طبقة العسكريتاريا «الثورية» التي حكمت هذه العواصم بلا تفويض من شعوبها، ولا حتى استئذان من تاريخها، مستغلة مناخات الاستقطاب الدولي الثنائي في النصف الثاني من القرن الماضي.

واليوم، وبعد أن انتقلت الديكتاتوريات العربية إلى محاربة شعوبها في الداخل مع كل ما تستتبعه هذه الحروب من خسارة للوطن والشعب معا... لا تزال تتبجح بأنها تحافظ على «النظام» في وجه المؤامرات الخارجية بل «الكونية» أيضا.

هذا على الأقل ما أكده وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، من عاصمة الدولة الشرق أوسطية الوحيدة المسموح لأي مسؤول سوري أن يزورها، طهران.

إذا صح فعلا أن نظام الرئيس بشار الأسد يواجه اليوم «مؤامرة كونية» فهل يعقل أن يكون «الكون بأكمله» على ضلال والنظام السوري وحده على حق؟

وإذا كان للنظام السوري «قدرات عسكرية هائلة» يفاخر بها الوزير وليد المعلم فهل يجوز أن يتباهى بهذه القدرات في سياق التهديد بـ«سحق» ثورة شعبية داخلية؟

نحو عشرين ألف مواطن سوري، بين مدني وعسكري، قضوا – حتى الآن - في حرب المحافظة على «النظام». ولو كان هذا النظام قرر استعادة الجولان المحتل بقوة السلاح لما كلفه تحريره أكثر من قسط صغير مما تكلفه اليوم عملية احتلال بلاده، ولكان أثبت بالفعل، لا بالقول، أنه نظام «مقاوم» وليس فقط «ممانعا».

أما قدرات سوريا العسكرية الهائلة، فلا جدال فيها، يكفي أنها تؤكدها يوميا في حربها على شعبها.

ولكن إذا كان النظام السوري يفاخر علنا بترسانته من أسلحة الدمار الشامل فلماذا يحتاج إلى دعم إيران التي تكاد أن تبزه في عزلتها الدولية؟

ربما قصد المعلم من توعده بهزم «الحرب الكونية» على سوريا بإمكانات النظام وحده أن يبعد الشكوك من أن يكون لزيارته لطهران دافع عسكري، علما بأن إيران لم تتردد في تجنيد «مستشارين» من الحرس الثوري لمساعدة آلة الحرب السورية.

ولكن دمشق تدرك بأن وضع إيران الدبلوماسي والأمني والاقتصادي الدقيق حاليا لا يسمح لها بأكثر من تقديم دعم معنوي لنظام بشار الأسد، وهو دعم تقتضيه اليوم التحولات النوعية، وإن كانت بطيئة، في دبلوماسية الحليف الأول، روسيا. لذلك قد لا تكون مجرد صدفة أن تتم زيارة المعلم إلى طهران في أعقاب «المرونة» التي أظهرتها روسيا حيال اقتراحات «انتقال السلطة» في دمشق والمخاوف التي أثارها إعلان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، عن أن موسكو تعد «لقاء جديدا مع المعارضة السورية»، خصوصا أن هذا الإعلان يعقب حديث السفير الروسي في باريس، ألكسندر أورلوف، عن استعداد بشار الأسد للتخلي عن السلطة «ولكن بطريقة حضارية».

لذلك يبدو لافتا أن تتزامن زيارة المعلم إلى طهران مع انتقاد وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» لمواقف موسكو الأخيرة من «الأزمة السورية» وذهابها إلى حد اتهامها بالعمل على تنفيذ ما تريده واشنطن... ولكن «بطريقة أخرى»، ما يوحي بمخاوف مماثلة في طهران حيال روسيا تستوجب منها التزاما أوثق بمصير النظام السوري.

وإذا أخذ على محمل الجد تحذير وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر ولايتي، دول المنطقة من أن «تتحرك بالاتجاه الخطأ» حيال سوريا «لأن لذلك عواقب خطيرة تتعدى المنطقة» يمكن القول بأن زيارة وليد المعلم لطهران نجحت في إحياء الحلف الاستراتيجي السوري – الإيراني في مواجهة «المخططات الاستكبارية والصهيونية» في المنطقة... وفشلت في فهم تطلعات الشعب السوري إلى الحرية والديمقراطية.