قادة الجيل الجديد في الصين يتطلعون للاضطلاع بدور عالمي

TT

كمنتجع ساحلي بفنادقه ذات الطابع السوفياتي ومطاعمه الكئيبة، لا تبدو مدينة بيدايهي، بالقرب من العاصمة الصينية بكين، بالروعة المنتظرة، لكنها رغم ذلك هي المكان الذي تتجمع فيه النخبة الشيوعية الحاكمة كل خمس سنوات لمناقشة الاستراتيجية المتبعة واختيار القيادة المقبلة.

ويتمتع اجتماع العام الحالي بأهمية خاصة بالنسبة لمن ينتظرون أن تلعب الصين دورا أكبر في قضايا مثل تعزيز الاقتصاد العالمي ومساعدة العملية الانتقالية في سوريا وإيقاف البرنامج النووي الإيراني. ويسترعي هذا الاجتماع الاهتمام لسببين: الأول هو أن النخبة الحاكمة ينتظر منها تسوية النزاعات الآيديولوجية التي قد تعصف بالمؤتمر العام الثامن عشر للحزب الشيوعي والمقرر عقده الشهر القادم. والسبب الثاني هو أن الحزب، مع خروج القيادات القديمة من الصورة، سوف يعتمد فريق قيادة جديدا سيتولى الحكم حتى عام 2022.

والحزب الشيوعي الصيني ليس بغريب على الخلافات، حيث شهد الحزب في أعوام 1948 و1962 و1977 و1989 انقسامات حادة نتيجة تصادم التيارات الآيديولوجية والخصومات الشخصية الحادة، هذا بخلاف مراحل الاضطرابات الأكبر حجما، مثل مشروع «قفزة كبرى إلى الأمام» و«الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى».

ويأتي الصدام الحالي بين ما يسميه المتخصصون في الدراسات الصينية بفصيلي غوانغ دونغ وشونغ كينغ. فالفصيل الأول ينظر إلى الصين على أنها دولة حديثة بها اقتصاد سوق ونظام سياسي شيوعي، وقد كانت مقاطعة غوانغ دونغ هي الساحة التي وجدت فيها نظريات دينغ شياو بينغ السياسية البراغماتية أكبر صدى لها في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. وقد بدأ ما يعرف باسم النموذج الصيني في غوانغ دونغ، قبل أن ينتقل أولا إلى شنغهاي ثم إلى باقي أنحاء البلاد. ويأمل فصيل غوانغ دونغ في أن ينجح في ما فشل فيه ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي، من تطبيق مفهوم «البيريسترويكا» (أي: إعادة البناء) مع الحفاظ على الحكم الشيوعي.

وقد كان الرئيس هو جينتاو وكذلك رئيس الوزراء وين جياباو من أشد مناصري تحرير الاقتصاد المقترن بسيطرة سياسية محكمة، ووفقا للمعايير الاقتصادية فقد كان نجاحهما في ذلك مبهرا، فخلال عقدين من الزمان، تضاعف إجمالي الناتج المحلي أربع مرات، وخرج مئات الملايين من الصينيين من دائرة الفقر، بينما وصل ما يزيد على 200 مليون شخص إلى مستويات معيشية تعادل تلك التي تتمتع بها الطبقات المتوسطة في الغرب.

واليوم، تمتلك الصين ثاني أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم، كما صارت من أكبر خمسة مستثمرين أجانب في الولايات المتحدة وأوروبا، وتحولت البلاد إلى معقل التصنيع في العالم، وأصبحت من بين أكبر أربع دول مصدرة وكذلك، في رأي البعض، ثالث أكبر اقتصاد في العالم. ولعل الأكثر أهمية من كل هذا هو أن الصين، طيلة أربعة عقود، أي منذ الإصلاحات التي أجراها الرئيس دينغ، لم تتعرض لأي مجاعة كبيرة الحجم.

كذلك، فقد نأت مدرسة غوانغ دونغ بالصين عن المغامرات المكلفة. فمنذ عام 1949، حينما تأسست الجمهورية الشعبية، وحتى أوائل السبعينات من القرن العشرين، كانت الصين قبلة لحركات التمرد المسلحة في جميع أنحاء العالم، حيث تورطت في حروب في الملايو وكوريا وفيتنام وسلطنة عمان وأنغولا وموزمبيق وغيرها، كما خاضت حروبا ضد روسيا، خسرت فيها الكثير من أراضيها، وضد الهند، حيث اكتسبت أراضي جديدة. ويحاول فصيل غوانغ دونغ، بالتعاون مع فصيل شنغهاي، حاليا إطالة أمد بقائه في السلطة عن طريق التعهد بإجراء إصلاحات سياسية إلى درجة لم يتم تحديدها.

ومن المنتظر أن يسلم اجتماع بيدايهي السلطة إلى الجيل الخامس من الحزب الشيوعي، حيث سيتم الإعلان عن رئيس جديد ورئيس وزراء جديد، إلى جانب إجراء تغييرات في جزءين رئيسيين من الحزب، وهما المكتب السياسي ولجنته الدائمة. وسوف يتقاعد 14 عضوا من بين 25 عضوا في المكتب السياسي، بالإضافة إلى 7 من أعضاء اللجنة الدائمة المكونة من 9 أعضاء.

إذن، فإن الصين مقبلة على أكبر ثورة بين الأجيال في تاريخها الحديث، حيث تتكون تشكيلة القيادة الجديدة من رجال وسيدات ولدوا بعد تأسيس الجمهورية الشعبية، ويعرف هذا الجيل باسم «الأمراء الصغار»، وهم أبناء كوادر الحزب القديمة وثمرة الامتيازات التي ظلوا يتمتعون بها بسبب أسمائهم. وحامل لواء هذا الجيل هو شي جين بينغ، البالغ من العمر 50 عاما، الذي من المقرر أن يصبح رئيسا للجمهورية وأمينا عاما للحزب. وشي جين بينغ هو ابن شي زونغ شوان، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي وضحية «الثورة الثقافية» التي أطلقها ماو تسي تونغ. وقد قضى الشيخ شي 16 عاما في سجون ماو تسي تونغ، قبل أن يطلق دينغ شياو بينغ سراحه ويعينه حاكما لمقاطعة غوانغ دونغ.

أما فصيل شونغ كينغ، فهو وريث أفكار «عصابة الأربعة» الشهيرة التي حاولت إبقاء «الثورة الثقافية» في حقبة السبعينات. ويزعم أعضاء هذا الفصيل أن اقتصاد السوق قد عمق من حالات الظلم الاجتماعي وسلب من الحزب روحه الثورية. وقد حاول هذا الفصيل إبقاء مذهب ماو تسي تونغ حيا عن طريق توزيع كتيبات الحزب القديمة واسطوانات مدمجة تحتوي على الأغاني الثورية القديمة. وتحت قيادة زعيمه بو شيلاي صاحب الكاريزما القوية، حاول الفصيل أن يحول شونغ كينغ إلى نموذج لإعادة توزيع ثمار النمو الاقتصادي.

بيد أنه في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، قررت بكين إقالة بو شيلاي من منصبه كرئيس لفرع الحزب في شونغ كينغ، وإلقاء القبض على زوجته بتهمة قتل رجل أعمال بريطاني.

ومع رحيل بو، فمن غير المرجح أن يتفق فصيل شونغ كينغ على زعيم جديد في الوقت المناسب قبل المؤتمر العام القادم، إلا أنه من المؤكد أن يكون له حضور قوي بعض الشيء في المؤتمر، مطالبا بنصيب في القيادة الجديدة. ورغم أنه لا يتمتع بنفوذ سياسي، فربما يكون المشاغب اليساري وانغ ليغون ما زال يأمل في ركوب موجة من الحنين إلى «أيام الثورة الخوالي».

وأعتقد أن من يتوقعون أن تتبوأ الصين مركزا قياديا في العالم سوف يخيب أملهم، لا لأن الصين تفتقر إلى المقومات الضرورية لذلك، فهي تمتلكها بالفعل، لكن لأنه في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وتصاعد التوتر الاجتماعي في أنحاء البلاد في الوقت الذي يعاني فيه الحزب من انقسامات عميقة، فإن آخر ما قد ترغب فيه القيادة هو التورط في مشاكل الآخرين.

ومع ذلك، يمكن للصين أن تلعب دورا داعما، من خلال قلب الموازين في العديد من القضايا. ففي منطقتنا، تستطيع الصين أن تنضم إلى روسيا في إطالة أمد نزيف الدماء في سوريا وتشجيع المرشد الأعلى الإيراني الذي فقد صوابه على المضي قدما في طريق الانتحار الذي يسير فيه، لكنها تستطيع أيضا أن تساعد من يناضلون من أجل تحقيق تحول ديمقراطي في دمشق وتغيير في مسار طهران. وسوف يحسن القادة الصينيون صنعا إذا ما فكروا في هذا الخيار أثناء اجتماعهم في بيدايهي.