وجبات طعام المرضى.. هل هي صحية؟

TT

ما نقوله كأطباء للناس، وللمرضى منهم بالذات، أن إحدى وسائل نيل الصحة هي تناول طعام صحي. والطعام الصحي له شروط عدة منها، أولا أن يحتوي على الكميات اللازمة يوميا للجسم من الفيتامينات والمعادن والبروتينات والدهون والسكريات. وثانيا أن لا تكون كميات العناصر الغذائية في الطعام اليومي سببا للإصابة بالأمراض.

وعلى سبيل المثال، لو زادت كمية الدهون الحيوانية أو كمية الكولسترول لنشأت لدينا مشكلات في الشرايين القلبية والدماغية. ولو زادت كمية ملح الطعام، المصدر الرئيسي لعنصر الصوديوم، لنشأت لدينا مشكلات في ضغط الدم وفي زيادة تجمع السوائل بالجسم، وخاصة لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم أو ضعف قوة القلب أو فشل الكبد أو غيرهم من الحالات التي تتطلب معالجتها تقليل تناول عنصر الصوديوم. ولو زادت كمية السعرات الحرارية، في وجبات الطعام لنشأت مشكلة السمنة. وهناك إرشادات طبية واضحة حول هذه الأمور وغيرها مما يتعلق بتناول الغذاء الصحي.

والأوساط الطبية معنية بالدرجة الأولى بتوضيح هذا الأمر للمرضى كوسيلة لعلاجهم، وللأصحاء كوسيلة لوقايتهم من الإصابة بالأمراض. إلى هنا في الحديث، لا مشكلة.

ويحتاج المرضى الذين يضطرون إلى دخول المستشفيات لتلقي العلاج، إلى أن تؤمن لهم المستشفيات طعاما كي يتناولوه خلال أيام إقامتهم بالمستشفى. ولأن المرضى في مستشفى وبين أطباء وممرضات، فإن أبسط ما نتوقعه أن تقدم المستشفيات للمرضى طعاما صحيا يستطيعون تناوله. إلى هنا في الحديث، أيضا لا مشكلة.

ولكن ماذا لو أننا اكتشفنا أن المستشفيات لا تقدم طعاما صحيا للمرضى، وأنها تقدم لهم وجبات طعام تخالف في مكوناتها ما تتفق الأوساط الطبية عليه في إرشادات الغذاء الصحي. هل هذا ممكن أو معقول، وهل هو واقع بالفعل؟

الإجابة: نعم، هذا ليس فقط ممكنا أو معقولا، بل هو في الحقيقة واقع بالفعل. والسؤال التلقائي هنا: هل يمكن للأوساط الطبية أن تكتفي بالقول إن هذا يفاجئها ويثير الدهشة لديها، أم أن ما عليها هو أبعد من هذا، وتحديدا البحث عن جذور نشوء مثل هذا الخلل في جودة تقديم الرعاية الصحية وعناصر خدماتها للمرضى.

دعونا نراجع بعض الدراسات الطبية الصادرة في هذا الشأن وخلال العامين الماضيين فقط. وضمن عدد 16 يوليو (تموز) من مجلة «أرشيفات الطب الباطني» Archives of Internal Medicine، نشر الباحثون من كندا نتائج دراستهم حول كميات الصوديوم في وجبات الطعام التي تقدمها المستشفيات لديهم لمرضاها. وبمراجعتهم محتويات وجبات طعام أكثر من 2000 مريض في ثلاثة مستشفيات في أونتاريو، وجدوا أن 80 في المائة من الوجبات تلك لعموم المرضى تحتوي على كميات من ملح الطعام تفوق ما تنصح به المؤسسة الصحية للشخص الطبيعي. ليس هذا فحسب، بل أيضا أكثر من 50 في المائة من المرضى الذين عليهم أن يقللوا من تناول الملح، تقدم لهم المستشفيات طعاما مالحا بكمية تتجاوز النصيحة الطبية لهم لمعالجتهم.

وأبدت جوآن أركاند، الباحثة التي قامت بالدراسة وأخصائية التغذية بجامعة تورنتو، دهشتها من هذه النتيجة لنوعية رعاية المرضى الذين أعطوا ثقتهم للمستشفيات في العناية بهم خلال فترة وجودهم بالمستشفيات.

وعلقت الدكتورة كريستين بيبنز - دومنينغو، من جامعة كاليفورنيا، بالقول: «أعتقد أن هذه الكمية من الملح تضر المرضى بالفعل. إن نوعية التغذية التي تقدم للمرضى شأنها مهم أسوة بالأدوية التي نقدمها لهم لمعالجتهم». وأضافت: «ثمة وعي في الآونة الأخيرة حول ضرورة الاهتمام بوجبات طعام المرضى، وأنها يجب أن تكون ترجمة لقيم وأوليات الغذاء الصحي».

وكان الباحثون في «النشاط المشترك حول الصحة والملح» في بريطانيا Consensus Action on Salt and Health (Cash)، قد أجروا دراسة حول وجبات المستشفى المقدمة للأطفال، وتبين لهم أن نحو 50 في المائة منها تجاوز محتواها من الملح ومن الدهون المقادير الصحية المنصوح بها في بريطانيا. وعلقت في حينه وزارة الصحة البريطانية بأنها مهتمة بهذه النتائج.

وإضافة إلى هذا، لاحظ تقرير لجنة جودة الرعاية الصحية Care Quality Commission ببريطانيا، والمنشور في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، أن مرضى المستشفيات لا يتناولون سنويا نحو 9 ملايين وجبة طعام تُقدم لهم. وهي ما تمثل فقط 8 في المائة من مجموع وجبات الطعام المُقدمة للمرضى سنويا في بريطانيا، أي إن مجموع وجبات الطعام يفوق 90 مليون وجبة سنويا. وبعد البحث لحل المشكلة، خلصت اللجنة بتوصيات مفادها أن على المؤسسة القومية للرعاية الصحية ببريطانيا أن تهتم بالجوانب المتعلقة بتطبيق المستشفيات «سياسة وقت وجبة طعام المرضى» mealtimes policy التي تطلب الحكومة البريطانية منهم تنفيذها، وعدم إشغال المرضى أثناء أوقات تقديم وجبة الطعام لهم بأي إجراءات ليست ذات أهمية طارئة non - emergency medical activity، والعمل على مساعدة المرضى لتناول وجبات طعامهم.

وهو ما علق عليه وزير الصحة البريطاني آنذاك، سيمون بيرنز، بالقول: «على كل المستشفيات أن تتأكد من أن كل مريض ينال المساعدة ليتناول وجبة طعامه، وأن يتم تقديم وجبات طعام صحية ذات جودة ممتازة، وهذا جزء أساسي من مهام المستشفى في تقديم الرعاية للمرضى».

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]