الربيع العربي: الموجة الثالثة!

TT

حدث الثورات العربية المعروف باسم «الربيع العربي» ليس حدثا واحدا له تأثيرات متطابقة وله أيضا استجابات مختلفة، بأثمان وتكاليف متباينة.

باختصار نحن لسنا أمام مشهد واحد متكرر، ولكن نحن في المنطقة نواجه فعلا واحدا شعبيا ضد أنظمة مختلفة لذلك تأتي ردود الفعل متباينة بكلفة مختلفة في مدى زمني متعدد التوقيتات.

وفي اجتهادي الشخصي نحن واجهنا منذ بداية الربيع العربي عدة أنماط مختلفة من الثورات ضد أشكال مغايرة من الأنظمة يمكن تقسيمها على النحو التالي:

أولا: ما يعرف «بالديكتاتوريات اللينة» وهي تلك التي يلعب فيها الفرد دورا حاكما يؤدي إلى حكم البلاد والعباد بشكل تتركز فيه السلطات في يد حلقة ضيقة للغاية لفترة زمنية طويلة لا أمل فيها لتداول أو انتقال السلطة مما يؤدي إلى زيادة الفساد وقلة الأمل في الإصلاح.

وأعتقد أن نموذج «الديكتاتورية اللينة» ينطبق على حالتي مصر وتونس. وفي تلك الحالة سقط النظام في فترة زمنية لم تتجاوز الأسابيع الثلاثة، مع أقل قدر من الاستخدام للقوة العسكرية في فرض بقاء النظام.

ثانيا: «الديكتاتورية المتوحشة» وهي تلك التي يحكم فيها النظام على أسس قبلية أو طائفية تدعم حكم أقلية بالقوة المسلحة المفرطة ويتم فيها استخدام الجيش وأجهزة الأمن بشكل قمعي مباشر. وفي هذا النموذج لا يتورع النظام عن استخدام أي مدى من العنف المسلح ضد معارضيه إلى حد شن حرب أهلية ضد المواطنين العزل. نموذج الديكتاتورية المتوحشة ينطبق بالضبط على الحالتين الليبية والسورية، على نظام «القذاذفة» القبلي في ليبيا ونظام الأسد العلوي في سوريا. ومن الدروس المستفادة من التاريخ المعاصر أن مقاومة حكم الأقليات «الطائفية أو القبلية» لمعارضيها تكون دائما باهظة التكاليف البشرية والمادية وتكون طويلة في المدى الزمني «شهورا قد تطول إلى سنوات».

المرحلة الثالثة: الملكيات الفقيرة: وهي أنظمة فرضت عليها ظروف الجغرافيا والتاريخ وقلة الموارد وضعف الاقتصاد مع ارتفاع سقف المطالب والأمنيات إلى تقديم مساحات من الحرية عوضا عن نقص وضعف الاقتصاد. وفي هذه الحالات يصبح النظام مهددا بين عجزه عن زيادة الحريات التي قد تؤدي إلى انقلاب مخيف أو عجزه الآخر عن تدبير موارد اقتصادية جديدة تنعش البلاد وتخفف البطالة وتحسن الأجور والخدمات. هذا النموذج يقع الآن بين مطرقة عدم القدرة على التنازل عن الحريات وسندان عدم القدرة - في ذات الوقت - على تحسين الأوضاع الاقتصادية. هذه الضغوط تضع تماسك هيكل النظام كله في خطر. وفي رأيي هذا النموذج ينطبق على الحالتين المغربية والأردنية. وفي هذا المجال يصبح الضغط على حكومة ابن كيران في الرباط وحكومة الطراونة في عمان فوق قدرة البشر على التحمل، وتصبح التضحية بهما لبقاء النظام وتطويل عمره هي أقرب الاحتمالات.

إذن نحن في منتصف حالة النموذج الثاني وعلى أعتاب النموذج الثالث للربيع العربي، والآتي أعظم وأخطر!!