حتى لا يتحول السودان إلى سوريا أخرى!

TT

من المقرر أن تقوم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بزيارة جنوب السودان يوم الجمعة، بعد أكثر من عام على انفصاله عن السودان. وعلى الرغم من أن جميع التوقعات عند انفصال جنوب السودان كانت تشير إلى أنه سيصبح دولة فاشلة، فإن المشكلة الأكبر من ذلك بكثير تقع على حدوده.. ما الذي يتعين القيام به حيال السودان الذي يعد حكومته هي المسؤولة عن موت ودمار يفوق كل ما قامت به جميع الأنظمة الديكتاتورية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المجاورة له؟

ويعاني الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب، من نفس نقاط الضعف التي ظهرت بقوة خلال الفصول الأخيرة من حياة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي. وفي هذه الأثناء، يعتمد البشير على استراتيجية التجويع والقصف واعتقال خصومه، بدلا من القيام بإصلاحات ذات مغزى.

ومنذ انفصال جنوب السودان، قام نظام البشير بإعادة استهداف دارفور وإسقاط القنابل على السكان المذعورين في ولاية النيل الأزرق وجبال النوبة. ويعمل النظام على تأجيج الحرب المحتملة مع جنوب السودان ويستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين في المناطق الحضرية، وهناك 2000 شخص قيد الاعتقال الآن.

وفي الوقت الذي يتدفق فيه اللاجئون السودانيون على البلدان المجاورة وورود تقارير عن آلاف الأطفال الذين فقدوا ذويهم وتقطعت بهم السبل - جيل جديد من الأولاد الضائعين والفتيات الضائعات - بشكل يزيد من معاناة السودان، فقد حان الوقت لنسأل ما الذي يتعين القيام به حيال حكومة البشير؟

إن طريقة تعاطي كلينتون وغيرها من القادة الدوليين مع تلك الأزمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان البشير سيظل عالقا في السلطة مثل نظيره السوري أو يسير على منوال غيره من الطغاة المحاصرين برياح التغيير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومنذ أن جاء حزب المؤتمر الوطني للسلطة في انقلاب عسكري عام 1989، دخلت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في سلسلة من المفاوضات بين الخرطوم والأطراف المعارضة لها، وهي لا تعد ولا تحصى في حقيقة الأمر. وخلال ما يقرب من 23 عاما، لم يلتزم النظام السوداني ببنود هذه الاتفاقيات الكثيرة سوى مرة واحدة فقط، وهي الاستفتاء على مصير جنوب السودان عام 2011، ولم يحدث هذا إلا بعد جهود دبلوماسية مضنية تمكنت خلالها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى والصين في نهاية الأمر من إقناع البشير بقبول هذه العملية ونتائجها.

ولا تزال زمرة البشير تسيطر على الحكم من خلال تقسيم وقهر المعارضين وليس من خلال فتح آفاق للتنمية السياسية والاقتصادية. وعلاوة على ذلك، فإن قاعدة الدعم التي يرتكز عليها الحزب الحاكم داخل السودان هي قاعدة صغيرة للغاية، وإذا ما التزم النظام بالاتفاقيات وسمح لخصومه بالمشاركة في الانتخابات والحكم بحرية، فستتكون مجموعة من التحالفات القادرة على الإطاحة به خارج المعادلة تماما. ولا يملك البشير سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يتكيف مع الأوضاع بشكل جذري، وإما أن يفقد السلطة. وعلى هذا الأساس لا يتعين عليه أن يغامر بحلول صيف سوداني عقب الربيع العربي.

وعلى مدى عقدين من الزمان في السلطة، باتت القضايا الأساسية المحيطة بالحكم في السودان، مثل الحد من الفساد وتعزيز الديمقراطية والمساواة وإنفاذ القانون والقضاء على الفظائع الجماعية التي يرتكبها النظام، باتت قضايا ثانوية أمام السعي لوقف إطلاق النار على المدى القصير. لقد انهارت تلك الاتفاقيات لأن أيا منها لم يكن يسعى لعلاج الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان التي تعد هي صميم جميع الصراعات والاحتجاجات الحالية في السودان.

ثمة عملية سلام أخرى في الطريق، وهي العملية التي من الممكن أن تسفر عن التوصل لاتفاق بشأن تقسيم عائدات النفط الذي يتم استخراجه من جنوب السودان ولكنه يمر عبر أراضي السودان عن طريق الأنابيب إلى ميناء التصدير. وفي بعض الأحيان، قد يدفع اليأس الأشخاص للتوصل إلى تسوية، ولا سيما في ظل تلك الأوقات العصيبة التي تمر بها الدولتان. وعلى الرغم من ذلك، ينبغي على الجهود الدبلوماسية معالجة موضوع الحرب الأهلية المستعرة في الجنوب، وهو ما يعني تصفير إحدى المشاكل الجوهرية التي تواجه نظام الحكم في الخرطوم، الذي يستمر في صناعة الحرب والبؤس.

وفي نفس الأثناء، أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى لاتخاذ موقف حاسم لدعم هؤلاء الذين يقومون بتنظيم الاحتجاجات ويحاربون - ويموتون أيضا - من أجل الحصول على الديمقراطية في السودان. قد يأخذ هذا الدعم أشكالا متعددة، بما في ذلك تقديم دعم سريع وجوهري للمعارضة والمجتمع المدني السودانيين اللذين يعملان بكل ما أوتيا من قوة من أجل تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد. ينبغي على واشنطن والكثير من العواصم الأخرى العمل داخل وخارج مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتوصل إلى عقوبات صارمة لما تقوم به الخرطوم من قصف جوي وفرض حظر على دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب.

أما الآن، وفي الوقت الذي يلوح فيه شبح مجاعة كبرى في الأفق في المناطق التي تعتصرها الحرب في السودان، وتنبض المدن السودانية بمطالب التغيير، فينبغي على المجتمع الدولي الاستجابة على نحو يتمتع بالكثير من الإبداع والقوة، كي تكون النتيجة أقرب إلى ما حدث في ليبيا عما يحدث في سوريا. وإذا أمكن تحقيق تغيير في السودان، فيمكن لهذا البلد أن يصبح عاملا مساعدا على تحقيق السلام في المنطقة، بدلا من أن يكون محركا للحرب والإرهاب كما كان البلد منذ ما يقرب من ربع قرن.

* برندرغاست مؤسس مشارك لـ«مشروع كفى» و«مشروع القمر الصناعي الحارس»، أما إيغرز فهو مؤلف كتابي «وات إز ذا وات» و«صورة ثلاثية الأبعاد للملك».

* خدمة «واشنطن بوست»