الاستمتاع بالقتل

TT

من جور الإنسان على الحيوان، خوضه لمعركة غير متكافئة معه.

منذ قديم الزمان والإنسان يصيد الحيوان للاستفادة من لحمه أو جلده أو عظمه، وكان ذلك الأسلوب مقبولا بشكل أو بآخر، بحكم أن وسائل الصيد كانت بدائية، وتسمح بإعطاء الفرصة للحيوان إما للهرب أو للمناورة أو للتخفي أو حتى مهاجمة خصمه للدفاع عن حياته.

ولكن بعد اختراع الإنسان للأسلحة النارية، وبعدها المركبات المتحركة، أصبح الصيد من وجهة نظري عبثا إن لم يكن جريمة.

وإليكم تجربتين، واحدة في أميركا والأخرى في السعودية، مع الفارق.

كان هناك ما يسمى بثور (البافلو)، وهو ينتشر بعشرات الملايين من شمال المكسيك إلى أواسط كندا، وحيث إن وزنه بالمتوسط يبلغ 750 كيلو، ووزن البقرة بالمتوسط يبلغ 450، وبما أنه لا يعيش إلا في السهول المكشوفة، فقد تسلط عليه الصيادون الذين يريدون أن يتاجروا بلحمه وجلده، وأخذوا يطاردون القطعان ويقتلونها بالبنادق دون رحمة أو هوادة، وما إن حل عام 1889 حتى خلت السهول منها وكادت أن تنقرض، لولا أن قيض الله لها رجلا في السبعين من عمره يقال له: ميشيل بابلو، استطاع أن يجمع عشرات منها ويحافظ عليها وينميها، فتكاثرت إلى أن وصل عددها إلى ما يقارب 540 ثورا.

وبدأ تجار اللحوم والجلود يحومون حوله لشرائها غير أنه كان يرفض ذلك، وكاد أن يدفع حياته ثمنا لذلك، حيث إن عصابات حاولت أن تقتحم مزرعته وتنهبها، ولكنه دافع عنها هو وأبناؤه دفاعا مستميتا، وفي عام 1906 ازدادت قطعانه أكثر، وبعثت له حكومة كندا تفاوضه على شراء بعضها فوافق على ذلك مشترطا أن لا تقتل وأن توضع في محميات برية آمنة، وهذا ما كان حيث أرسل لهم 800 ثور هي الآن بعد تكاثرها تزيد على المائة ألف، واشترت منه الحكومة الأميركية الفيدرالية الباقي، وأطلقتها في مراع مأمونة في عدة ولايات، وعددها اليوم يقترب من المليون.

أما في السعودية فأزعم أن والدي رحمه الله كان من أوائل من فطنوا إلى الخوف من انقراض غزال (الريم) تحديدا وهو الذي لا يوجد إلا في مناطق معينة من الجزيرة العربية، خصوصا بعد أن شاهد المطاردات المجنونة لهذا الحيوان الوديع الضعيف بالمنادق والسيارات السريعة، بل إن بعضهم قد لا يأكلونه، وإنما لمجرد التسلية والاستمتاع بالقتل.

وقبل خمسين عاما استطاع أن يجمع أقل من عشرة منها، ووطنها في بيئتها الصحراوية الملائمة بين القصيم وحائل، ووضع حولها سياجا، وبعد أن توفي رحمه الله كان عددها قد وصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف غزال، وبحكم أننا نعرف أنه لم يقصد المتاجرة بها وإنما الحفاظ عليها وتكاثرها، تبرعنا بها لهيئة (الحياة الفطرية)، التي أخذت توزع منها على مختلف المحميات، وذكر لي الدكتور عبد العزيز أبو زنادة، أنها كانت خالية من الأمراض لأنها عاشت في بيئتها الطبيعية ولم تدخل عليها أي حيوانات أخرى.

واليوم غزلان الريم هي بعشرات الآلاف إن لم تكن أكثر.

ولا يفوتني أن أقول: إن الدكتور عبد العزيز كان له دور كبير جدا في ترسيخ (الهيئة) إبان رئاسته لها، وهو الذي لفت أنظار الناس لهذا الموقف الحضاري، وأشاع ثقافة الاهتمام بالحياة الفطرية.

[email protected]