الخبر الذي صار أساطير

TT

بعد ظهر الخامس من أغسطس (آب) 1962 جئت إلى المكتب في «النهار» مثل كل الأيام. كان عملي أن أترجم الأخبار عن الإنجليزية، وكنا نتوقع دائما خبرا مهما يصلح للصفحة الأولى. عندما رن جرس «التلبرنتر» إيذانا بخبر عاجل قمت سريعا لتفقد النشرة وتلاحق الأجراس: هوليوود تعلن انتحار ساحرتها الأولى، مارلين مونرو.

لا يستحق النبأ العنوان الرئيسي في الصفحة الأولى؛ فهو خبر فني و«النهار» جريدة سياسية محافظة، لكنه خبر للأولى في أي حال. ثم ازدادت أهميته عندما قيل إن الشقراء البالغة 36 عاما ماتت بكمية من المخدرات. ثم مهلا، هناك ما هو أهم: آخر زائري منزلها البسيط كان السيناتور روبرت كيندي، شقيق الرئيس.

كبرت في الصحافة لأتابع ثلاثة أخبار تحولت إلى ثلاث أساطير غامضة لأشهر ثلاثة أميركيين في السياسة والفن: انتحار مارلين مونرو واغتيال جون كيندي ثم شقيقه روبرت. وصدرت عشرات الكتب عن الثلاثة، في كل منها شيء عن علاقة مونرو بالرئيس، قبل الرئاسة وخلالها، وبشقيق الرئيس. وكان زوج شقيقتهما، الممثل بيتر لوفورد، مدبر العلاقة واللقاءات الخفية في الحالتين.

رفضت مارلين مونرو أن تتحول إلى خبر عابر، كما خطر لمحرر ناشئ قبل 50 عاما في مثل هذا اليوم: موتها الغامض، شبابها، أدوار الشقراء الساذجة، الفتاة اللقيطة التي جاءت إلى السينما من الفقر والبيت المخلع، والأم الكثيرة الرجال. ثم هي نفسها، البائسة التي لم تقدر على نسيان التشرد، فراحت تبحث عن الاحترام والاعتبار في زيجات مع أشهر رياضي أميركي ومع أشهر كاتب مسرحي، وليس مع شاب وسيم من نجوم المهنة.

وجدت صناعة النشر في مآسي مارلين مونرو نبعا لا ينضب وحكايات وصورا وعينين هائمتين سوف تقلدهما بيوت التجميل في كل مكان. وراحت بيوت الأزياء تنقل الفساتين التي ارتدتها في أفلامها. وفي تلك الأفلام أيضا حاولت مارلين أن تثبت أنها ليست مجرد غانية دلعاء بل هي أيضا ممثلة خليقة بالمسرح والسينما، إلا أن وقوفها أمام السير لورانس أوليفيه فشل وأفشل معه الممثل الشكسبيري الذي كانت رنة ألفاظه تنشئ حوله هالة الإعجاب والانبهار. وحين بحثت عن «الاحترام» لدى السياسيين، وصولا إلى البيت الأبيض، وجدت أنها ليست سوى محظية عابرة، مهما أسمعت من كلمات. ولم يكن سرا في أميركا أن جون كيندي عاشر النساء في مخدعه الزوجي في البيت. وقد كان هو أول من بدأ العلاقة مع «المتدربات»، كما تروي ميمي الفورد، ابنة التاسعة عشرة التي أفقدها عذريتها، وتقول إنه كان يطلب منها معاشرة أصدقائه أيضا. في هذا العالم المتراخي والكثير النساء، اعتقدت مجسدة الدور الساذج في السينما أنها سوف تكون امرأة أخرى، لكن يبدو أن روبرت كيندي صارحها ذلك المساء قبل أن يستقل طائرة الهليكوبتر عائدا إلى منزله الزوجي. وإلى الصحافيين الناشئين: إذا جاءكم خبر عن انتحار مارلين مونرو، لا تقللوا من أهميته.