كرة قدم أم حرب أهلية في أفغانستان؟

TT

إذا حدقنا في الكرة الكريستالية الغامضة لمعرفة مستقبل أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية، فسنراها دولة ممزقة تموج بالصراعات الشديدة بين الخصوم، مما يؤلب الأقاليم ضد بعضها البعض، وتظل كابل هي المركز الذي يطمح إليه الجميع، ويذهب الخصوم إلى هناك من أجل الصراع على الهيمنة القومية.

ليس هذا تقييما عسكريا، بل هو في الواقع خطة عمل وضعها سعد محسني، قطب الأعمال الشهير المفضل لي في كابل رئيس مؤسسة إعلامية باسم «موبي غروب». إنه يدشن دوريا أفغانيا ممتازا جديدا لكرة القدم برعاية شركة الاتصالات الأفغانية العملاقة «روشان تيليكوم ديفيلوبمنت»، وسيتم بث المباريات على شبكة المحطات التلفزيونية والإذاعية التي يمتلكها محسني. ويوضح هذا العمل الذي سيكون أول دوري احترافي لكرة القدم في أفغانستان مدى تغير البلاد عبر العقد الماضي أيا كان رأيك في مكافحة التمرد بقيادة الولايات المتحدة، لقد باتت أفغانستان متصلة بالعالم من خلال الهواتف الجوالة والتلفزيون، حيث يشاهد نحو 60% من السكان التلفزيون، وهناك 17 مليون هاتف جوال، بينما لم يكن هناك أي من ذلك عام 2001. ربما تكون أكبر قوة للتغيير في أفغانستان اليوم هي التحضر لا السياسة. خلال العقود القليلة الماضية من الحرب، أصبحت كابل مدينة عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وازداد عدد سكان هرات وقندهار وجلال آباد بثلاثة أمثال. لن تشبه أفغانستان سويسرا قريبا، لكنها لن تكون ساحة المعركة البدائية الريفية كما كان حالها خلال فترة حكم طالبان. وأظهر استطلاع رأي أميركي أن الأمر الأهم اليوم هو ارتفاع تكلفة الزواج.

ويعد دوري كرة القدم محاولة للوصول إلى كافة الفئات العمرية والاجتماعية الاقتصادية في مختلف المناطق والقبائل كما ذكر خطاب ترويجي، وسيضم الدوري 8 فرق تمثل الأقاليم التي تعد من أكثر الأقاليم التي شهدت قتالا. وتحمل بعض الفرق أسماء طيور جارحة، مثل نسور هندوكوش، التي ستمثل وسط أفغانستان، والباز التي ستمثل الجنوب الشرقي القوي، والصقور التي ستمثل كابل.

بدأت عملية اختيار اللاعبين الشهر الماضي من خلال مسابقة باسم «الملعب الأخضر» على تلفزيون الواقع. بعد ذلك سيقام دوري في كابل في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول). وإذا سارت الأمور على ما يرام سيعيدون الكرة عام 2013 الذي سيشهد إنهاء القوات الأميركية للمهمة القتالية، ثم عام 2014 الذي من المفترض أن يشهد رحيل القوات الأميركية. هذه هي الخطة على الأقل.

ما مدى واقعية فكرة أن تكون أطراف أفغانستان في حالة مزرية، بينما تظل كابل مركز الاتصالات والتجارة ناهيك عن بطولات كرة القدم بعد انسحاب القوات الأميركية؟ لا أحد يعلم، لكنني سمعت مسؤولين في إدارة أوباما مؤخرا يقولون: إن «الأفغان جيدون بما يكفي». ويأمل مسؤولو الإدارة أن يتحلى الجيش الوطني الأفغاني بالقوة اللازمة للسيطرة على كابل والطريق الدائري الذي يربط بين المدن الكبرى بحلول عام 2014.

ربما يسيطر سماسرة السلطة المحليون أو ما يطلق عليهم أمراء الحروب على بعض المناطق، لكن يشك مسؤولو الإدارة في قدرة حركة طالبان على السيطرة على المناطق الحضارية الكبرى. ولن تتمتع أفغانستان بالسلام أو الأمن مثل الدول المتقدمة، لكنها لن تنهار بحسب هذا الرأي المتفائل تفاؤلا حذرا. وفي مقال نشر الشهر الماضي في صحيفة «نيويوركر» بعنوان «بعد أميركا: هل ستبلى أفغانستان بالحرب الأهلية عندما تغادر الولايات المتحدة؟» وأثار مناقشات كثيرة، يقدم ديكستر فيلكينز تنبؤا أكثر قتامة. وفي الوقت الذي يحترم فيه فيلكينز إنجازات القوات الأميركية، يتشكك في استمرار تلك الإنجازات. ويرى أن الأفغان والأميركيين واقعون تحت تأثير توتر المعركة ومن دون استمرار تواجد كبير للقوات الأميركية المقاتلة إلى ما بعد عام 2014، يمكن أن يتمزق الجيش الأفغاني عرقيا.

ماذا سيحدث إذن، منافسة رياضية في كرة القدم تعرض على التلفزيون، أم حرب أهلية؟ من الواضح أنه لا توجد أي طريقة للتنبؤ بما سيحدث، لكن هناك عاملان سيقللان من احتمال نشوب حرب أهلية، الأول هو الالتزام بترك عدد كاف من القوات يتراوح بين 15 و30 ألفا لمنع عودة تنظيم القاعدة والاستمرار في تدريب الجيش وجهاز الشرطة الأفغاني. أما الثاني فهو استراتيجية سياسية تسير باتجاه المصالحة الوطنية وتدعم إجراء انتخابات عام 2014 لاختيار قيادة سياسية جديدة لتحل محل الرئيس الفاسد حميد كرزاي. للأسف الاهتمام الذي يحظى به هذا التحول السياسي الضروري من واشنطن أقل من الاهتمام بانسحاب القوات.

وينظر أكثر الأميركيين إلى أفغانستان باعتبارها قضية خاسرة، لكنني أشك. ربما تسير الدولة باتجاه أسوأ سيناريو وصفه فيلكينز في مقاله، لكن هناك بعض الطرق ذات التكلفة المنخفضة نسبيا التي يمكن أن تتبعها الولايات المتحدة للحد من مخاطر حدوث انفجار أفغاني وإرساء الاستقرار في البلاد بحيث يستطيع أصحاب المؤسسات الإعلامية جني المال من الرياضة المفضلة في البلاد وهي كرة القدم لا الحرب، كما تصوره لنا العناوين التي تتصدر الصحف.

* خدمة «واشنطن بوست»