المملكة وحل الأزمة السورية تحت مظلة العمل الإسلامي

TT

جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لعقد اجتماع طارئ لقادة دول منظمة التعاون الإسلامي الـ57 في مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم الجاري لتدارس تطورات الأزمة في سوريا، والبحث عن آلية جديدة أكثر نجاحا لوقف حمام الدم في سوريا الشقيقة، والمبادرة بعقد هذا الاجتماع الطارئ تعكس القلق العميق الذي تشعر به القيادة السعودية تجاه تطورات الموقف في سوريا، وتريد أن تعجل بحل مقبول وعملي لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي طال أمدها وكثر ضحاياها.

حزن خادم الحرمين الشريفين على ما يجري في سوريا الشقيقة من القتل اليومي، له مبررات ودوافع أهمها أن للشعب السوري مكانة خاصة في قلب وتفكير خادم الحرمين الشريفين، وخوفا من تبعات هذه المأساة على هذا الشعب، وأمنه، واستقراره، ناهيك عن كثرة الضحايا الأبرياء في ظل استرخاء دولي غير مسبوق؛ لذلك بذلت المملكة جهودا حثيثة منذ أن بدأت الأزمة في سوريا فقد حاولت، وبنية صادقة، المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة تجنبا لإراقة المزيد من الدماء، والحيلولة دون دخول الشعب السوري في دوامة الاقتتال الداخلي، وفتح الباب لتدخل قوى خارجية في الشأن السوري.

وجاءت تحركات المملكة دون مواقف مسبقة ضد أي طرف، بل كانت من أجل الحفاظ على وحدة الشعب السوري وسلامته، وسيادته، فحين بدأت المواجهات الأولية في درعا، أدركت القيادة السعودية أن هذه المواجهات رغم بساطتها وعزلتها عن باقي أرجاء البلاد، فإنها قد تشكل الشرارة الأولى لانفجار كبير نظرا لطبيعة الوضع المتوتر في سوريا.

لقد دعت القيادة السعودية من بداية الأزمة إلى وجوب التصرف بسرعة وبحكمة للتعامل مع المطالب البسيطة التي طرحها المحتجون، وكان في حينها أقصى ما يمكن أن تقوم به القيادة السعودية هو تقديم النصيحة للقيادة السورية بأن تلتزم بالحكمة في التعامل مع الأحداث، وجاء ذلك ليس تعاطفا مع النظام بل خوفا من المحنة التي قد يواجهها الشعب السوري.

لذا فإن الآلية الأولى التي تبنتها القيادة السعودية كانت وسيلة الاتصال المباشر، وفي هذا المجال لم تترك قيادة المملكة بابا إلا وطرقته، فقد تم إرسال مسؤولين سعوديين إلى دمشق بصفة رسمية وغير رسمية للحديث مع القيادات السورية، وانتهى المطاف بسلسلة من الاتصالات التليفونية التي أجراها خادم الحرمين الشريفين للحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم النصيحة بضرورة التحرك السريع للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بوسائل مجدية، مع تبني إصلاح يرضي طموحات الشعب السوري، مع تجنب الاستهانة بخطورة الموقف.

كانت جميع ردود فعل القيادة السورية سلبية، وتمثلت إما باتهام الأطراف الناصحة بكونها لا تفهم حقيقية الوضع في سوريا، أو تتهمها بالجهل بطبيعة المجتمع السوري وعلاقته مع النظام، وغيرها من المواقف التي تنم على الاستهتار بالنصائح وبمصادرها، ثم ركزت القيادة السورية على الوعود بتبني سياسة إصلاحية عاجلة وشاملة، ولكن سرعان ما نقضت هذه الوعود وتملصت من جميع الالتزامات، لذا فإن آلية الاتصال المباشر والتي علقت عليها القيادة السعودية بعض الآمال قد اغتيلت على أيدي النظام السوري.

حاولت القيادة السعودية الاستعانة بدعم الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، وتم تداول تطورات الوضع في سوريا ضمن مجلس التعاون وبدعم كبير من الأشقاء الخليجيين، وحاولت قيادات خليجية التواصل مع القيادة السورية للضغط على النظام السوري من أجل التعامل البناء مع الأزمة، وقد واجهت الجهود الخليجية سيلا من الاتهامات، وبموقف سوري متشدد يرفض التعاون، لذا فإن حظوظ نجاح الآلية الخليجية كانت معدومة.

بعد إدراك محدودية جدوى الآلية الخليجية في التعامل مع الأزمة السورية، وهي الآلية التي أثبتت فعاليتها في إيجاد تسوية دبلوماسية للأزمة اليمنية، استعانت قيادة المملكة بالآلية العربية، ورغم وسم جامعة الدول العربية بالعجز التقليدي في التعامل مع الأزمات العربية، فقد لعبت الجامعة دورا محوريا في التعامل مع التطورات في سوريا، وبرزت أهمية الدور السعودي القيادي في توجيه الآلية العربية، وفي تهيئة الأجواء الصحيحة لإصدار قرارات فعالة تعد نادرة في تاريخ الجامعة، ورغم فاعلية هذا الدور، فإن رفض النظام السوري التعاون مع القرارات التي تم تبنيها، قاد إلى ضعف الدور العربي في إنهاء الأزمة.

وإدراكا لحقيقة أن الجامعة العربية لا تمتلك القدرات الكافية للتعامل الفعال مع الأزمة السورية، فإن القيادة السعودية لم تهمل خيار المجتمع الدولي حيث استثمرت جهودا واسعة في تفعيل خيار الآلية الدولية وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين بذلت الدبلوماسية السعودية جهودا جبارة لضمان موقف حازم تجاه سلوكيات النظام السوري، ورغم الشلل الذي واجهه مجلس الأمن نتيجة لتكرار الفيتو المزدوج الروسي – الصيني فإن جهود الدبلوماسية السعودية لم تتوقف لتغير المواقف المعارضة في مجلس الأمن، وقادت مؤخرا الجهود التي أثمرت في إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتبنى مبادرة جامعة الدول العربية في التعامل مع الأزمة السورية.

أخيرا جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين لتفعيل آلية التضامن الإسلامي خطوة إضافية جادة، هدفها الضغط على النظام السوري لإيقاف نزيف الدم، وإيجاد الحلول المقبولة التي تتفق مع الأوضاع على الأرض تحت مظلة إسلامية، فقيادة المملكة لا تقبل منطق النظام السوري القائل أن ذبح الشعب السوري هو «شأن داخلي»، أو وصف محاولة العرب إيقاف نزيف الدم بأنها «عمليات تآمر مع الصهيونية والقوى الإمبريالية». النظام السوري ما زال يفكر بعقلية بالية ويعيش خارج الزمن، والمملكة وقيادتها لن تتخلى عن واجبها الشرعي ومسؤولياتها الأخلاقية والقانونية في إنقاذ الشعب السوري من الممارسات الإجرامية للنظام، والعمل على إيجاد حل مقبول تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي وفي أقدس بقاع الأرض وفي العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم.

*رئيس مركز الخليج للأبحاث