الكهرباء.. والحل

TT

انقطاع الكهرباء مهما تعددت الأسباب بات مشكلة يمكن أن نصفها بلا تردد بأنها عالمية، فالكل يتذكر ما حصل في مدن الساحل الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية عندما انقطع التيار الكهربائي تماما عن مدن وقرى ببيوتها ومكاتبها وتسبب في أضرار اقتصادية ليست بالقليلة.

ومؤخرا تابع العالم بذهول الانقطاع الكهربائي الهائل الذي أصاب مناطق في الهند وتحمل نتائجه 600 مليون مواطن هندي في أزمة هائلة كادت تسقط الحكومة، وطبعا هناك أزمات انقطاع الكهرباء في العالم العربي التي باتت معروفة وتنشر بشكل مستمر في الصحف وعلى القنوات الإخبارية قصص الكهرباء وأزمتها في مصر ولبنان والسعودية واليمن والسودان وغيرها.

استهلاك الكهرباء المتزايد والطلب الشديد على هذا القطاع سيكون تحديا واضحا مثله مثل توفير الغذاء والمياه، ولكن يبدو أن الموضوع سيواجه تحديا ماليا وإداريا.. فواضح أن الطلب الكبير يفوق ما كان مخططا له، وبالتالي يبدو أن التخطيط نفسه لم يكن بالواقعية ولا بالمنطقية الكافية.

مع النمو السكاني الكبير وازدياد الاعتماد بشكل خيالي على الكهرباء في جميع محافل الحياة، يبدو أن «انقطاع» الكهرباء الذي تعامل معه الناس بشكل «مذهول ومصدوم» سيكون جزءا من الحياة حتى يتم حسم جاهزية القطاع الكهربائي وتوفير البنية التحتية الكافية لتلبية الطلب الكبير والمتزايد عليه.

ومن أسباب تدهور حال الكهرباء أن الطاقة البديلة سواء أكان ذلك في العالم الصناعي الأول أم في الدول النامية والناشئة من العالم الثالث، لا تزال بشكل كبير ضعيفة ومحدودة، فتبقى تجارب الطاقة الشمسية ومراوح الهواء الكبرى والطاقة النووية جميعها أقل بكثير من قدراتها على تحقيق النتائج الأفضل.. فعلى سبيل المثال وفي المجال النووي تحديدا تبقى تجربة جمهورية التشيك في توفير الطاقة النووية بشكل فعال وناجح هي الأهم والأنجح عالميا.

نعم قد تبدو الإجابة غريبة ومفاجئة، ولكن دراسات مستقلة ذكرت أن جمهورية التشيك تمكنت من تحقيق معدلات سلامة وكفاءة وفعالية تفوقت فيها على دول كثيرة أخرى أهم وأكبر مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان، وبنسب أداء وسلامة استثنائية.

جمهورية التشيك وضعت الطاقة كهدف استثنائي، وخصوصا بعد خروجها من المعسكر السوفياتي ودخولها للمعسكر الرأسمالي، فأدركت أن الطاقة ستكون عنصرا مهما في خططها التنموية وتحديدا في مجال الصناعات التي اهتمت بها ونجحت.

الطاقة تحد ليس بالبسيط، وبالإضافة إلى توفير البنية التحتية الكافية والمناسبة والمطلوبة لتجهيز القدرات الإنتاجية، فإن هناك تشريعات مطلوب تقديمها أيضا للمساهمة الجادة في تقنين استخدام الكهرباء وتقديم حوافر جادة وملموسة للموفرين وتحفيز حقيقي للمستثمرين والمستخدمين للطاقة البديلة بدلا من الحديث عن كل ذلك بشكل ترفيهي ونخبوي، وفي بعض الأحيان ساذج.

في ولاية كاليفورنيا وفي البرتغال حصل نجاح واضح جدا في مجال استخدام الطاقة الهوائية، وتم فعلا الحصول على نتائج تصب في خانة الفعالية والتوفير للطاقة، وهو تماما ما كان مطلوبا، وفي مجال الطاقة البديلة هناك نجاحات مهمة وبارزة في البرازيل سواء أكان ذلك نتاج الطاقة الشمسية أم الزيوت النباتية.

القدرات الاستثمارية للكثير من دول العالم لن تكون باستطاعتها تغطية أعباء التكلفة المطلوبة لتجهيز التوسعات المطلوبة، وبالتالي «العجز» سيظل قائما ولن يكون بالإمكان تقديم حل «كامل» من دون الدخول في تشريعات وحوافز حقيقية تنعكس على التوفير المحقق ومن الممكن قياسه بطبيعة الحال أيضا.

ولذلك، وبرؤية مستقبلية، أتوقع أن نرى حوافز ضريبية وتسعيرية للمستخدمين وحوافز للمستثمرين في الطاقة البديلة، وأن يفتح المجال للتنافس وكسر الاحتكار والامتياز الموجود لشركات «وحيدة» تقدم الخدمة مثلها مثل الاتصالات على سبيل المثال، والتي كانت في يوم من الأيام «محتكرة» من طرف وحيد.

الكهرباء أزمة وتحد سيكون مستمرا، ولن تفيد الحلول «نفسها» المقترحة، فهي أحد أسباب المشكلة، ولا بد من التجديد في التفكير لحل المشكلة.

[email protected]