الخائفون في دمشق؟

TT

عندما ينشق رئيس حكومة نظام ما بعد تقريبا شهرين من تعيينه وتتسرب معلومات عن أنه كان يتفاوض منذ فترة قد تكون سبقت حتى قرار تعيينه، على الهروب من البلاد - يصبح السؤال مستحقا عما تبقى من النظام، ومن الذي يديره في الوقت الذي تتصاعد وتيرة الانشقاقات بين أركانه وكبار مسؤوليه، وكذلك عن حجم الاختراق الموجود داخله الذي لا يقتصر على الانشقاقات ولكن على الوصول حتى إلى أهم معاقله الأمنية، مثل ذلك التفجير الذي حدث قبل أسابيع وقتل فيه أركان القيادات الأمنية.

منذ بداية الانتفاضة في سوريا واللجوء إلى الحل الأمني في مواجهة مظاهرات كانت سلمية في البداية، كان يطرح السؤال في مواجهة عبثية هذا الحل الذي يدرك أي عاقل أنه يقود إلى طريق مسدود: من صاحب القرار، وهل الأسد نفسه هو صاحب القرار أم هو رهنية آخرين؟ وثبت مع مرور الأيام والتطورات الدامية في سوريا، والتسريبات من هنا وهناك أنه المسؤول الأول، وأن دائرة ضيقة موثوقا بها وتربطها مصالح مشتركة ربما عائلية هي التي تدير الأزمة، بينما ينفض الجميع من حولها ويقفزون من السفينة التي توشك على الغرق.

وربما يكون أدق تعبير عن انشقاق رئيس الحكومة السورية ومعه وزيران وقيادات عسكرية - هو الذي أطلقه وزير خارجية ألمانيا أمس عن أن النظام يتأكل بسرعة، وليس معروفا ما إذا كانت هناك بوادر انشقاقات أخرى بين مسؤولين رفيعين مثل وزير الدفاع كما تردد، لكن مسار الأحداث يشير إلى أنه ربما هناك كثيرون يرغبون في القفز من السفينة من داخل النظام وينتظرون اللحظة أو الظروف المناسبة، وقد يكون ذلك مرتبطا بتأمين عائلاتهم، فالملاحظ أن كثيرين من المنشقين لا يفعلون ذلك إلا بعد تأمين عائلاتهم والخروج معهم خوفا من بطش النظام الذي يقال إنه يبطش بعائلات الذين ينقلبون عليه.

المحير أن المجموعة الضيقة التي تدير النظام حاليا، وعلى رأسها الرئيس الأسد نفسه، يبدو أنها مصابة بما يشبه العمى عن رؤية حقيقة أن السفينة تغرق بهم، وأنه مع تصاعد وتيرة الانشقاقات بين كبار المسؤولين التنفيذيين والقيادات العسكرية وخروج أجزاء كبيرة من الأراضي السورية عن سيطرتهم - فإن النظام دخل مرحلة أشبه بالمرحلة الأخيرة للقذافي في ليبيا. وقد تكون حالة ما تبقى من النظام في سوريا مختلفة عن القذافي من حيث وجود داعمين خارجيين إقليميين ودوليين، لكن حتى هؤلاء سيتخلون عنهم في مرحلة ما أو يساومون عليه عندما يشعرون بأنه لم تعد هناك فائدة.

المؤكد الآن أن هذه المجموعة الضيقة تتأكل يوميا لتصبح أضيق من ذي قبل يوما بعد يوم، والمرجح أن هناك الكثير من الخائفين في دمشق الذين يريدون أو يستعدون للقفز من السفينة بشرط تأمين أنفسهم، وهؤلاء يجب تشجيعهم على التخلي عن النظام في أسرع وقت، فلن يجدي القفز بعد أن تغرق السفينة، ولم يعد هناك ما يمكن الدفاع عنه بعدما لاحت علامات الانهيار، وقد تخطى النظام أو أصحاب القرار الحقيقي نقطة العودة بعد كل هذا الدم، والأوقع تركهم لمصيرهم بدلا من الارتباط بهم.