بورما ومأساة مسلميها!

TT

الإبادات الجماعية بحق الأقليات جريمة بشعة عرفتها الإنسانية عبر تاريخها المضطرب والمليء بالصدام والمذهل، فمذابح الإبادة الجماعية في رواندا الأفريقية بحق قبائل «التوتسي» معروفة، وسجلت في كتب التاريخ كأحد أسوأ المشاهد، وكذلك الأمر في ما قام بعمله الخمير الحمر في كمبوديا، أو ما حصل ضد فصائل التاميل الهندوس من قبل الحكام البوذيين في سريلانكا.

وكذلك يتذكر العالم ما حصل قريبا في قلب القارة الأوروبية المتحضرة من إبادة جماعية ممنهجة بحق الأقليات المسلمة في البوسنة والهرسك وكوسوفو، وطبعا هناك أمثلة أخرى حول العالم تحفرها ذاكرة بقايا من كتب لهم النجاة منها، أو الأجيال التالية من أقرباء من قضوا فيها.

واليوم هناك مذبحة إبادة هائلة تحصل في دولة ميانمار في قلب وسط آسيا، وهي دولة كانت تعرف قديما باسم بورما، وكانت دولة عريقة في عز وازدهار قبل أن يحصل تغير كامل في نظام الحكم ويجيء فصيل عسكري شديد الجبروت والتطرف والطغيان، وبلا مبالغة، يغلق البلاد على أهلها تماما، وعزلها عن كل العالم بأسره، المذبحة والإبادة الجماعية التي يتحدث عنها العالم اليوم في ميانمار هي بحق الأقلية المسلمة الموجودة في البلاد المحرومة من كافة حقوق المواطنة والاعتراف الكامل بهم.

وتقول الإحصاءات المبدئية: إن أكثر من عشرين ألف مسلم قد تم قتلهم، وإن أكثر من مائة ألف تم تهجيرهم بشكل متعمد وقسري، وتم حرق الآلاف من المنازل الخاصة بهم.

وهذه ليست الواقعة الأولى التي تحدث بحق مسلمي بورما، ففي عام 1942 قام المتطرفون البوذيون هناك بقتل 25 ألف مسلم، وعادت المسألة مجددا لتظهر بوجهها الدموي في عام 1962.

ويأتي توقيت الإبادة المهولة هذه والعالم الغربي يفتح ذراعيه لإعادة استقبال واحتضان ميانمار في المجتمع الدولي، ورفع العقوبات بالتدريج عن نظامها المتطرف، وبدء زيارات كبار المسؤولين الغربيين لها، مثل رئيس الوزراء البريطاني، ووزيرة الخارجية الأميركية، مع عدم إغفال الاستقبالات الكبيرة للنائبة البرلمانية المشهورة والفائزة بجائزة نوبل للسلام والمناضلة الحقوقية لي شو سو، والتي مع شديد الأسف كان تنديدها بمجازر حكومتها الدموية بحق المسلمين غير كاف وخجول، واكتفت بلغة الإشارة غير الواضحة أبدا بدلا من استخدام الإدانة المباشرة والصريحة.

الإبادة الجماعية (وهي مسألة اليوم تتفق على ملامحها الأمم المتحدة وسائر المنظمات الحقوقية الأخرى) باتت تتطلب حراكا عاجلا، فاليوم تتحمل دول الجوار، مثل بنغلاديش وتايلاند، جل هم الإغاثة وتقديم العون الإنساني.

روهينغا هو اسم الإقليم الذي ينتمي إليه أغلب مسلمي بورما، ولكنهم باتوا أهدافا مشروعة للنظام العسكري، فكل ذلك يأتي نتاج سياسة عنصرية ممنهجة تتبعها الحكومة بحق المسلمين هناك، فالحكومة لا تعترف بالأقلية المسلمة كواحدة من 135 أقلية موجودة في ميانمار معترف بها من الحكومة رسميا.

منذ انقلاب 1962 العسكري والأقلية المسلمة باتت هدفا مشروعا للحكومة لتقتل وتشرد أهلها، وشملت الجرائم التي قامت بها السلطات العسكرية بحق هذه الأقلية القتل والسرقة والتعذيب والاغتصاب.

وفي عام 1980 قامت الحكومة العسكرية بسحب الجنسية من كافة مواطنيها المسلمين من دون استثناء، وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام صعدت الحكومة حراكها الموتور ضد المسلمين هناك لتجبر كافة أطفال المسلمين للعمل في الحقول والمصانع «كالعبيد»، مخالفة بذلك أنظمة العمل الدولية التي تحظر عمل الأطفال، وفي تقرير وصل للأمم المتحدة وضح أن عدد الأطفال المشغلين في هذا المجال يفوق الـ40 ألف طفل، بل إن الزواج بين مسلمي بورما ممنوع إلا بإذن من أعلى السلطات، وهي مسألة شبه تعجيزية ومستحيلة تقريبا.

ولا ينسى أهل بورما عام 1978 عندما أطلقت الحكومة العسكرية المتطرفة عملية الملك التنين لإخراج المسلمين، وتمكنوا من تهجير 200 ألف رحلوا قسرا إلى بنغلاديش.

ولعل آخر الأحداث في مأساة بورما كان عام 2009 عندما هجر بعضهم قسرا إلى تايلاند بلغ عددهم الـ1500 شخص، ويبلغ عدد من هجر من مسلمي بورما قسرا عبر التاريخ المليونين منتشرين في باكستان والسعودية وتايلاند والهند وبنغلاديش وماليزيا. كانت بورما تفتخر بأنها مصدر عظيم للشاي والياقوت والعود والبهارات، ولكنها اليوم لا تمثل العناوين إلا بحكومة موتورة يصمت العالم على جرائمها. الحكومة البورمية لا مكان لها في وسط عالم يدعي التحضر، ومسلموها يجب الوقوف معهم.

[email protected]