عطوبة الزوايا

TT

كنت أغبط أنيس منصور على قوة الشخصية عنده. يكتب ما يشاء، دون حساب لشيء. ويرفض الالتزام بالحدث مهما كان مهما. فتراه يكتب عن لقاء عاجل مع مارلين مونرو فيما الحدث ذلك النهار ازدراء «دولة القانون» في العراق لنتائج الانتخابات وتسليم القانون إلى أصحابه.

تحتمل زاوية الصفحة الأخيرة الكتابة غير السياسية، أو بالأحرى تفترضها. وصفحات ما قبلها معترك سياسي، وهي استراحة. ولكن هل يتقبل القارئ ذلك دائما؟ يوم الاثنين الماضي كانت الزاوية عن 50 عاما على انتحار مارلين مونرو. اعتقدت أن علاقتها بروبرت كيندي وعناصر حياتها الدرامية تبرر الزاوية لدى قارئ مأخوذ لحظيا بأحداث المنطقة. فلا بد أيضا من التنوع، ولا بد من «الاستراحة» عندما يكون هناك ما يبررها.

لكن يوم زاوية مارلين مونرو خرج رئيس وزراء سوريا رياض حجاب إلى الأردن في أهم انشقاق عن النظام حتى الآن. فكيف بدت زاوية عن انتحار مارلين مونرو قبل 50 عاما؟ الأحداث تطحن الاستراحات. وتسارع التحولات في سوريا ألغى معايير التوقع. فقبل شهرين قدم رياض حجاب على أنه «بعثي متشدد»، فإذا به ينشق باسم تشدد البعث. وتصادف خروج العميد مناف طلاس مع مقتل أركان الأمن، وفي طليعتهم آصف شوكت. وفجأة انفجارات في دمشق وحلب بعد عام من التساؤل عن حقيقة الموقف في المدينتين وهل هما ضمانة النظام أم في انتظار وصول القطار؟

يبدو اليوم أنه في وجه القوة العسكرية الطاغية، يلجأ خصوم النظام إلى إحداث فجوات كبرى في هيكله الحديدي: الانشقاقات العسكرية التي تحولت الآن إلى انشقاقات سياسية أيضا. والتفجيرات «الاستراتيجية» في مقابل الخسائر البشرية التي ينزلها بمعارضيه، إضافة إلى خطف الإيرانيين، كعمل إعلامي يهدف إلى إبراز الدور الإيراني العملي، باعتبار أن الدور السياسي لا يكف عن الإعلان عن نفسه.

حتى لو ضممنا جون كيندي وشقيقه إلى ذكرى انتحار مارلين مونرو، تظل الزاوية «خارج المكان». وحده، على ما يبدو، مشعل السديري قادر في مثل هذه الأيام أن يرفع علم الاستراحة السعيدة فوق زاويته دون حرج، ودون التزام بجدول الأحداث. وأتمنى أن يمضي في ذلك. ففي هذا العبوس الذي يلف الأمة، يحقق لنا ابتعادا قليلا عن الكرب. وفي أي حال ذكرى مارلين مونرو لم تكن فيها ابتسامات: شابة جميلة تنتحر ورئيس يغتال وشقيقه يقتل. وفي يوم الزاوية يصبح رئيس وزراء سوريا في قطر لأن وضع الأردن لا يحتمل أكثر من بوابة عبور.