زيباري أيضا وضعه صعب!

TT

نقولها على الفور كنا نفضل أن يبدأ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو زيارته الأخيرة للعراق من بغداد وينهيها في كركوك، علها تكون فرصة لإعادة العلاقات المتدهورة بين الحكومتين إلى سابق عهدها، وتجنبا لاتهامات تقديم ما جرى على أنه محاولة تركية مقصودة للعب ورقة أربيل ضد المالكي الذي أصدر أوامره لهوشيار زيباري المقرب من رئيس الإقليم الكردي بتقديم مذكرة احتجاج رسمية إلى أنقرة بسبب هذه الخطوة ووصفها بـ«الانتهاك الذي لا يليق بتصرف وزير خارجية دولة جارة ومهمة مثل تركيا».

وبقدر ما يشهد لـ«الخوجا» بكفاءته وحنكته الدبلوماسية، ينبغي التسليم بجهود ونجاح نظيره العراقي زيباري في مراعاة التوازنات والتركيبات العراقية الحساسة خلال سنوات من توليه لمهام الإشراف على سياسة بلاده الخارجية، لكنه بقدر ما أخطأ داود أوغلو في الذهاب إلى كركوك بهذه الطريقة، فإن زيباري هو الآخر يتحمل مسؤولية التصعيد الأخير ضد أنقرة بمقياس القيادات الكردية التي تعرف أن أنقرة وضعت تحت تصرفها الجوازات الحمراء وفتحت الحدود على وسعها عند الحاجة.

هو يعرف أن رئيس الإقليم الكردي قد يقبل مسألة «استغراب» الخارجية العراقية لموقف شمال العراق من زيارة كركوك التي تمت من خلال تنسيق مباشر مع قيادات الإقليم الذي وفر للوزير التركي الخدمات اللوجستية والأمنية من أجل وصوله إلى كركوك والعودة منها، لكنه يعرف أيضا أنه لن يهضم بمثل هذه البساطة مسألة الإدانة وتقديم مذكرة الاحتجاج من قبل من ساهم في إيصاله إلى بغداد ليتحول إلى وسيلة للتهكم عليه ويكون سببا في تفجير حملة منظمة ضده.

حكومة الإقليم لن تحتاج إلى تذكير زيباري الذي يقود الجهاز الدبلوماسي في البلاد كيف تحرك الوفد التركي الزائر بروتوكوليا خلال التحضير للزيارة، لأنه من المفترض أن تكون السفارة العراقية في أنقرة أرسلت له صورا من طلب التأشيرات، لكنها ستسأله كيف تخفى عليه أسباب الزيارة ومضمونها وتوقيتها حتى ولو تضمنت زيارة شخصية خاطفة لداود أوغلو إلى كركوك تحدث خلالها عن النموذج العراقي المصغر وأهمية الوحدة والتعايش هناك ليس بالنسبة للعراقيين وحدهم بل بالنسبة لدول المنطقة كلها.

داود أوغلو سجل انتصارا دبلوماسيا ربما من خلال دخوله كركوك التي استعصت على القيادات السياسية التركية منذ عقود طويلة، لكن أربيل هي التي قبلت هذا الطلب ضمن حساباتها السياسية التي تتعارض حتما مع قرار إعطاء الأوامر من الخارجية العراقية لاستدعاء القنصل التركي إلى مبنى الوزارة وتسليمه مذكرة الاحتجاج التي سترى فيها قيادة بارزاني مذكرة احتجاج ضد ما تقوم به هي، وترجم على الفور إلى حملة احتجاج ضد أربيل وموقعها وحقها في استقبال الزوار الراغبين بالتنسيق مع الإقليم مباشرة، واتهامها بتسهيل «الاستخفاف بالسيادة العراقية واستهداف وحدة الصف العراقي».

زيباري يعرف أن الاشتباك السياسي الأخير بين أنقرة وبغداد أسبابه مواقف الحكومتين التركية والعراقية المتضاربة في المنطقة وتحديات الموضوع السوري، وأن تقديم مسألة زيارة كركوك ما هي إلا فرصة لتصفية الحسابات، لكنه سيكون مطالبا أن يشرح لبارزاني ويقنعه بأن ما جرى هو حرق للمادة «110» من الدستور التي تحصر مسؤولية السياسة الخارجية بوزارته هو. وكل هذا يأتي حتما بعد سنوات من التحرك في الإقليم لإطلاق يده الخارجية خصوصا نحو أنقرة التي تتعاون نفطيا وتجاريا واستثماريا.

طبعا أي توتر بين بارزاني وزيباري لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار أن التأزم هذا سيجير سياسيا لصالح الشريك الآخر في إدارة شؤون الإقليم الذي يكتفي بالصمت والمراقبة حتى الساعة.

كيف سيخرج زيباري من هذه الورطة التي أقحمه فيها صديقه داود أوغلو؟ هو يعرف أن محاولة محاسبة وزير خارجية تركيا على فعلته هذه تعني بشكل أو بآخر مساءلة حكومة أربيل على تعاونها هذا. ربما خشبة الخلاص الأقرب هي المراهنة على سحب الثقة من حكومة المالكي لتزول المشكلة من جذورها قبل أن يطالب الأخير بفتح تحقيق أمني وقضائي يستهدف محاسبة المسهلين لداود أوغلو لهذه الحملة التي وصفها مقربون من المالكي بـ«التعامل الإمبراطوري مع الآخرين»، فتتعقد مشكلة زيباري أكثر فأكثر.