حيث لا ينفع الضبط

TT

يحاول النظام السوري في ما تبقى له من وقت، الأرجح أنه بات معدودا، أن يحكم ضبطا أصبح مستحيلا للخطاب والموقف مما يجري من أحداث خطيرة متلاحقة. لقد بات انعدام القدرة على ممارسة تغييب قسري لغير إعلام النظام واقعا نعاينه عبر سيل من الصور والتقارير في إعلام عربي وغربي. وهذا النظام كان حاول عبر شبكة حماية إقليمية شملت الإعلام أن يستفيد من انعدام التغطية المباشرة من سوريا وحصر التغطية بإعلامه هو، لكن الأحداث أفلتت من عقال السيطرة، وإن كان النظام يعتقد غير ذلك، أو على الأقل هذا ما يحاول الترويج له ولو على نحو مضحك أحيانا ودامٍ في أحيان أخرى.

وكأن بالأحداث في سوريا تشابه ما حدث في العراق عام 2003 حين حاول صدام حسين الترويج لأكذوبة «صمود» الجيش العراقي قبل أن يعاين الصحافيون ميدانيا انهياره وتداعي قطعه وتشرد جيشه على نحو بالغ الإهانة ومثير للشفقة، وما لبثت بغداد أن سقطت في لحظة واحدة.

اليوم تتكثف أخبار الانشقاقات والهروب الجماعي من أقرب دوائر النظام. لكن، لا اغتيال الضباط الأربعة، ولا سلسلة الانشقاقات التي باتت قاصمة، ولا الدم السوري المسفوك، ولا كمية المناطق التي باتت خارج سيطرة النظام، سمح لمن تبقى في الدائرة البعثية الضيقة هذه أن ينظر إلى ما هو أبعد من حيث هو الآن، أو أن يغير لغة لا تجد أي سبيل لا للعقل ولا للأخلاق.

نعم، امتلك النظام البعثي السوري قوة تأثير وتخويف هائلة حالت بيننا وبين ما يجري في الداخل، لكن ما يجري بشكل سريع بات يؤشر إلى اقتراب اللحظة التي يستنفر الجميع من أجل الإمساك بها، لحظة السقوط والانهيار.

لقد تمكن مسلحون من اختطاف أكثر من أربعين إيرانيا في دمشق وعلى طريق المطار. هل هناك دلالة على الهشاشة قدر هذا؟

والمخطوفون اللبنانيون باتوا يهاتفون وسائل الإعلام، بل هناك من الإعلام من اصطحب بعضا من ذويهم للقائهم حيث هم. وللحقيقة فإن السماح للمخطوفين بالكلام وتطمين الأهل لا يقلل من فداحة خطف مدنيين واحتجازهم مهما جرت محاولات تنميق الأمر والتحايل على الخطف من خلال القول إن المخطوفين ضيوف، فاحتجاز حرية الأفراد هو تعدٍّ سافر لا يسوغه شيء. وإن ضعف قبضة النظام وتداخلات السياسة اللبنانية والسورية قد أتاحت للمخطوفين اللبنانيين فرصة الحديث والتعبير، فإن وضع المخطوفين الإيرانيين أكثر تعقيدا.

أما مفقودو الداخل السوري المقدرون بالآلاف فتلك مأساة فادحة أخرى، لعل أفواج الصحافيين والصحافيات التي باتت تجيد التسلل إلى سوريا تفيدنا بكثير مما استعصى علينا تتبعه ومعرفته خلال الأشهر الماضية.

يحث اليوم صحافيون عرب وغربيون ومن كل الأصقاع الخطى نحو الحدود مع سوريا وإلى الداخل السوري. فاللحظة اقتربت وبدأت مؤشرات المرحلة الجديدة تمثل أمام كاميرات وهواتف جاهزة تنتظر لحظة الحسم.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com