جيش مصر: تاريخ التضحية والشهادة

TT

منذ ما يقرب من أربعة آلاف ومائتي عام وبأوامر من الملك خرج رئيس الأركان والقائد العظيم وني على رأس جيش من الجند المصريين؛ منهم من ينتمي إلى الدلتا ومنهم من جاء من الصعيد وآخرون من النوبة. كانت الأوامر محددة؛ وهي استعادة السيطرة على سيناء وردع الجماعات المتمردة وتأمين طرق القوافل. وبعد أن أدى الجيش المصري مهمته بنجاح؛ قدم القائد وني تقريره المفصل إلى الملك وقد بدأه بكيفية إعداده للجيش ليقوم بمهمته ثم التأكيد على مبادئ العسكرية المصرية، ولخصها في الآتي: عدم قتل النساء والشيوخ والأطفال، عدم إتلاف المحاصيل والحقول، عدم ترويع المدنيين الآمنين، عدم القيام بأي أعمال سلب أو نهب.

تمر مئات السنون قبل أن يحتل الحقاو خاسوت – الهكسوس - سيناء وجزءا من الدلتا ويهب القائد الصعيدي الوطني سقنن رع ويعيد بناء الجيش المصري ويبدأ رحلة الكفاح لتحرير مصر ورد الكرامة والاعتبار لجيشها والانتقام للدم المصري المهدر. ويدفع سقنن رع حياته فداء لمصر؛ وتتوج رأس الشهيد سقنن رع خمس ضربات ببلطة آسيوية، ومومياؤه معروضة بالمتحف المصري رمزا للوطنية المصرية.

يحمل ابن الشهيد سقنن رع القائد الشاب كامس لواء الكفاح والتحرير ويلقى نفس مصير أبيه بعد عدة معارك ناجحة مع العدو، وفي هذا الوقت العصيب تحافظ الملكة الجدة تتي شري أم البطل الشهيد سقنن رع والملكة الأم إياح حتب أم البطل الشهيد كامس وزوجة سقنن رع، على وحدة وتماسك الجيش المصري ويعدان أحمس - الأخ الأصغر لكامس - لتولي مسؤولية الكفاح والانتقام لأبيه ولأخيه ولكل دم مصري، وبالفعل ينجح الملك العظيم أحمس في قهر الهكسوس وتدمير جيوشهم بل ومطاردة فلولهم حتى معاقلهم في آسيا وحصارها حتى استسلمت له ليعود إلى مصر وقد وضع أول لبنة في تكوين الإمبراطورية المصرية وأول جيش نظامي عرفه التاريخ.

وإلى القائد العظيم تحتمس الثالث الفضل في اتساع ربوع الإمبراطورية المصرية من هضبة الأناضول شمالا وحتى الشلال الرابع في قلب أفريقيا جنوبا؛ وهو واضع أول استراتيجيات الحروب العسكرية التي تعتمد على علوم النفس ودراسة العوامل النفسية للعدو وتفكيره وما هو متوقع منه، ولا تزال خطط تحتمس الثالث تدرس في الأكاديميات العسكرية إلى يومنا هذا.

ظل ظهور الجيش المصري في سيناء وما وراء الحدود العامل الوحيد لاستقرار سيناء وكذلك الإمارات الآسيوية المتصارعة فيما بينها؛ وتأكيدا للهيمنة المصرية على كامل أرضها. وحدث عندما أقسم الملك الموحد إخناتون أنه لن يخرج من مدينته الفاضلة، تل العمارنة، وأنه سيظل بها متعبدا لإلهه آتون، أن وقع الانفلات الأمني في سيناء والمدن الآسيوية على حدود مصر الشمالية الشرقية؛ وتصارعت هذه الدويلات والمدن؛ وانهالت الرسائل على البلاط المصري تستصرخ الملك وترجوه أن يرسل الجيش المصري لضبط الأوضاع في سيناء وما ورائها. ومن أجمل التعبيرات ما بعث به أمير آسيوي مخاطبا الملكة الأم تي طالبا منها أن تحث ابنها إخناتون ليرسل الجيش المصري قائلا لها: «.. مولاتي! لقد مر زمان منذ كان مجرد ظهور جيش مصر ببلادنا كفيلا ببث الأمن والأمان في البلاد وردع المتمردين والمتصارعين..». رحم الله جند مصر الأبرار.